قوله - عز وجل -: { الۤـمۤ }. قد ذكرنا تأويله في صدر الكتاب. وقوله: { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ }. الكتاب المطلق: كتاب الله، والدين المطلق: دين الله، والسبيل المطلق والطريق المطلق: سبيل الله وطريقه. وقوله: { لاَ رَيْبَ فِيهِ }. أنه منزل من الله؛ لأنه أنزل على أيدي الأمناء البررة: لم يغيروه ولا بدلوه ولا حرفوه. أو يقول: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أنه ليس بمخترق ولا مخترع ولا مفتري من عند الرسول؛ بل منزل من عند رب العالمين. أو { لاَ رَيْبَ فِيهِ }: لا شك؛ على ما يقول الناس لكل محكم من الأمر مبين، والله أعلم. { مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }. العالم: هو اسم جنس من الخلق وجوهر منه، و { ٱلْعَالَمِينَ }: جمعه؛ فيدخل في ذلك الأولون والآخرون الذين يكونون إلى آخر ما يكونون؛ ففيه أنه يوصف - جل وعلا - أنه رب لكل ما كان ويكون، ومالك ما كان وما يكون؛ كقوله:{ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [الفاتحة: 4]: أخبر أنه مالكه، وهو بعد ما لم يكن، أعني: ذلك اليوم. وقوله: { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ }. قوله: { أَمْ يَقُولُونَ } هو استفهام وشك في الظاهر، لكنه من الله يخرج على تحقيق إلزام وإيجاب أو تحقيق نفي، على ما لو كان ذلك من مستفهم ومسترشد: كيف يجاب له ويقال فيه؟ فإنما يقال للمستفهم: لا أو بلى؛ فعلى ذلك هو من الله على تحقيق إثبات وإيجاب، أو تحقيق نفي؛ إذ لا يحتمل الاستفهام والسؤال؛ كقوله:{ أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ } [النجم: 24]؛ كأنه قال: ليس للإنسان ما تمنى؛ فعلى ذلك كأنه قال - هاهنا -: بل يقولون: { ٱفْتَرَاهُ } ، ثم رد ما قالوا: إنه افتراه؛ فقال: { بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ }. يحتمل قوله: { هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ }: ليس بمخترع ولا مخترق ولا مفتري من محمد؛ بل منزل من عند الله، على ما ذكرنا في قوله: { لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }. أو هو الحق من ربك، ليس بكلام البشر ولا في وسعهم إتيان مثله؛ فهو الحق منه{ لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ... } الآية [فصلت:42]. وقوله: { لِتُنذِرَ قَوْماً }. أي: لتنذر بالكتاب الذي أنزل قوماً. { مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ }. هذا يحتمل وجهين: أحدهما: على الجحد، أي: لتنذر قوماً لم يأتهم نذير، وهم أهل الفترة الذين كانوا بين عيسى ومحمد، عليهما الصلاة والسلام. والثاني: لتنذر قوماً: الذين قد أتاهم من نذير من قبلك، وهم آباؤهم وأجدادهم الذين كانوا من قبله، الذين قد أتاهم نذير من قبله، والله أعلم. وقوله: { لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ }. هذا - أيضاً - يحتمل وجهين: أحدهما: لتنذر قوماً؛ لكي تلزمهم به حجة الاهتداء. والثاني: لتنذر قوماً؛ على رجاء وطمع أن يهتدوا، والله أعلم. وقوله: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ }.