الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } * { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } * { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } * { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ }

قوله: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً }.

يخرج قوله: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ } ، أي: يحقق الإيمان بالله وبآياته { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً } لله حقيقة.

ثم يحتمل { خَرُّواْ سُجَّداً } حقيقة السجود عند تلاوة الآيات التي فيها ذكر السجود.

والثاني: يكون ذكر خرور الوجه والسجود كناية عن الخضوع لها، والانقياد والاستسلام والقبول لها؛ فأحدهما على حقيقة السجود عند تذكير الآيات لهم والتلاوة عليهم، والثاني: على الكناية على القبول لها والاستسلام، وإلا ليس من ذي مذهب من أهل الكفر من عبدة الأصنام وغيرهم إلا وهو يدعي الإيمان بالله وبآياته، ويزعم أن الذي هو عليه هو الإيمان به والمؤتمر بأمره؛ ألا ترى أنه كيف أخبر عنهم؛ حيث قال:وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [الأعراف: 28]: كانوا يدعون في جميع ما يعملون أن الله - تعالى - أمرهم بذلك، وأنهم مؤمنون به مؤتمرون بأمره؛ فأخبر أنه إنما يحقق الإيمان بالله وبالآيات الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا لا أولئك الذين يدعون ذلك وليسوا هم كذلك.

وقوله: { وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ }.

التسبيح: هو تنزيه الربّ وتبرئة له عن جميع ما قالت الملاحدة فيه ونسبوه إليه، مما لا يليق به. يقول: { وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } ، أي: ذكروه بمحاسنه ومحامده وبرءوه ونزهوه عن جميع ما وصفه أولئك ونسبوه إليه، هذا - والله أعلم - هو التسبيح بحمده.

وقوله: { وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }.

لا أحد يخطر بباله أن يستكبر على الله أو على أمره، ولكن كانوا يستكبرون على رسله؛ لما لا يرونهم أهلا لذلك، أو أن يكونوا يستكبرون على ما يدعون إليه ولا يجيبون لذلك.

وقوله: { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ }.

روي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنها نزلت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن اختلفت عنه الروايات:

ذكر في بعضها: أنها نزلت في نفر من عمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعملون بالنهار، فإذا جن عليهم الليل اضطجعوا بين المغرب والعشاء، فناموا؛ فلما نزل هذا اجتنبوا عن ذلك.

وذكر عنه: أنهم كانوا يصلون بين المغرب والعشاء؛ فنزلت الآية فيهم.

فإن كان هذا فنزول الآية لذلك يخرج مخرج المدح لهم والثناء الحسن.

وإن كان الأول فهو على النهي والتوبيخ لذلك.

ثم اختلف أهل التأويل في تأويلها: قال بعضهم: هو التيقظ والصلاة فيما بين المغرب والعشاء الآخرة.

ومنهم من يقول: هو التجافي عن المضاجع لصلاة العشاء والفجر يصليهما.

ومنهم من يقول: تتجافى جنوبهم بذكر الله: كلما استيقظوا ذكروا الله: إما صلاة، وإما قياما، وإما قعوداً، لا يزالون يذكرون الله.

ومنهم من يقول: { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ }: قيام الليل والصلاة فيه، وهذا أشبه التأويلات؛ لأنه قال: { عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } ، والتجافي عن المضاجع إنما يكون في الوقت الذي يضطجع فيه، وفيه يقع الامتداح والثناء الحسن؛ لأنه وقت الغفلة والنوم فيه، وأمّا سائر الأوقات فليس كذلك، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4