قوله: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ }. أخبر رسوله أنك لو سألتهم من خلق السماوات والأرض يقولون ذلك ويجيبونك: الله خلقهم. ثم يخرج قوله: { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } على أثر إقرارهم له بالتوحيد له والتفرد بالخلق على وجهين: أحدهما: أمر رسوله بالحمد له؛ لما لا يحتاج إلى إقامة الحجة على وحدانية الله وربوبيته سوى إقرارهم؛ إذ قد أقروا له بالوحدانية فيما ذكر؛ فعلى ذلك يلزمهم ذلك في كل شيء، دق أو جل؛ فيقع الأمر بالحمد على ذلك. أو يأمر رسوله بالحمد له؛ لما أنجاه وخلصه وسلمه عما ابتلوا هم وفتنوا من التكذيب وعبادة الأصنام بعد إقرارهم بالوحدانية له والألوهية؛ فحمده على إفضاله عليه ورحمته وعصمته له بين أولئك الكفرة. على هذين الوجهين يخرج تأويل أمر الحمد على أثر ما ذكر، والله أعلم. ويكون قوله: { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } مقطوعاً مفصولا من قوله: { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ }؛ إذ لو لم يجعل مفصولا منه، لخرج الأمر بالحمد له في الظاهر على ما لا يعلم أولئك، وذلك لا يصلح. ثم قوله: { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } يخرج على وجوه: أحدها: ما ذكرنا: أنه نفى عنهم العلم؛ لما لم ينتفعوا به من نحو البصر والسمع واللسان ونحوه؛ فعلى ذلك العلم. والثاني: لا يعلمون؛ لما تركوا النظر والتفكر في أسباب العلم. أو أن يكون قوله: { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }: أن عبادتهم الأصنام لا تقربهم إلى الله زلفى ولا تشفع لهم؛ لأنهم إنما كانوا يعبدون الأصنام رجاء أن تزلفهم إلى الله، ورجاء أن يكونوا لهم شفعاء عند الله بقولهم:{ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18]، و{ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3]. أو أن يكونوا لم يعلموا بجزاء أعمالهم التي عملوها في الدنيا - في الآخرة، والله أعلم. وقوله: { لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ }. كأنه يخبرهم ويذكر[هم]: أن ما يأمرهم به وينهاهم عنه، وما يمتحنهم من جميع أنواع المحن لا لحاجة نفسه أو لدفع المضرة عن نفسه؛ ولكن لحاجة أنفس الممتحنين ولمنفعتهم ولدفع المضرة عنهم؛ إذ من بلغ ملكه وغناه وسلطانه المبلغ الذي ذكر حتى كان له جميع ما في السماوات والأرض - لا يحتمل أن يأمر الخلق وينهى أو يمتحن لحاجة نفسه؛ ولكن لحاجة الخلق في جر المنفعة ولدفع المضرة. أو يذكرهم نعمه عليهم؛ ليتأدى به شكره، حيث سخر لهم ما ذكر من السماوات والأرض وما فيهما، وحقيقة ملك ذلك كله له. وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ }: الغني بذاته لا يعجزه شيء، أو غني عمن استغنى عنه، { ٱلْحَمِيدُ } ، قيل: أهل أن يحمد ويشكر بذاته. وقيل: حميد في فعاله وصنائعه، ويكون الحميد بمعنى: الحامد، ويكون بمعنى: المحمود، والله أعلم.