قوله: { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ }. قال بعض أهل التأويل: يقسم المجرمون: إنهم لم يلبثوا في قبورهم غير ساعة، وكذلك يقولون: في قوله:{ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ... } الآية [المؤمنون: 112-113]. لكن الأشبه أن يكون قوله: { يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ }: الدنيا في المحنة، لا في القبور، استقصروا مقامهم في الدنيا؛ تكذيباً لما ادعى عليهم من الزلل والمعاصي أنواع الكفر؛ يقولون: إنا لبثنا في الدنيا وقتا لا يكون منا في مثل ذلك الوقت وتلك المدة الزلل والمعاصي؛ ألا ترى أنهم قد كذبوا في إنكارهم طول المقام فيها؛ حيث قال: { كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } ، أي: كذلك كانوا يكذبون في الدنيا أن لا بعث ولا حياة بعد الموت ولا حساب، ولولا هذا التكذيب لهم على أثر قولهم: { مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } ، وإلا كان الظاهر أنهم قد استقصروا المقام في الدنيا؛ لطول المقام في الآخرة وشدة العذاب في ذلك وهوله، لكنه - والله أعلم - ما ذكرنا أنهم يقسمون: إنهم ما لبثوا غير ساعة في الدنيا؛ إنكارا وجحوداً لما ادعى عليهم من الزلل والمعاصي، يقولون: إنا لم نلبث في الدنيا إلا ساعة، فكيف عملنا فيها هذا الزلل وأنواع الشرك والكفر؛ فأخبر أنهم { كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } ، أي: كذلك كانوا يكذبون في الدنيا ويقسمون؛ حيث قال:{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [النحل: 38] فذلك القسم منهم أنهم ما لبثوا غير ساعة كذب وإنكار للمقام، كما كذبوا وأنكروا الشرك؛ حيث قالوا{ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23]. وقوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ }. اختلف فيه: قال بعضهم: هو على التقديم والتأخير؛ كأنه: قال الذين أوتوا العلم في كتاب الله، أي: أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان به: لقد لبثتم إلى يوم البعث فهذا يوم البعث. وقال بعضهم: قال الذين أوتوا العلم والإيمان: لقد لبثتم في علم الله في الدنيا إلى يوم البعث، فهذا يوم البعث. وبعضهم يقول: وقال الذين أوتوا العلم والإيمان: لقد لبثتم فيما كتب الله لكم من الآجال إلى انقضاء آجالكم وفنائها. وقوله: { فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ } الذي كنتم تنكرونه وتكذبونه. { وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ }. هذا يخرج على وجهين: أحدهما: على حقيقة نفي العلم عنهم، لكنهم لا يعذرون لجهلهم بذلك؛ لما أعطوا أسباب العلم لو تفكروا وتأملوا لعلموا. والثاني: على نفي الانتفاع بعلمهم؛ على ما نُفي عنهم حواس كانت لهم؛ لما لم ينتفعوا بها؛ فعلى ذلك جائز نفي العلم عنهم بذلك لما لم ينتفعوا بما علموا، والله أعلم.