الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } * { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ }

قوله: { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ }.

قال قائلون: منيبين: مخلصين؛ كقوله:دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [يونس: 22].

وقال قائلون: مطيعين.

وقال قائلون: موحدين.

وأصل الإنابة: الرجوع، أي: راجعين إليه عما كانوا فيه من الشرك؛ فالإنابة هي التوحيد، وإن كان الإنابة الإخلاص، فهو رجوع عن الإشراك في العبادة، وإن كان عن العصيان فهو الطاعة، وأصله: الرجوع عما كانوا فيه؛ ففيه وجوه من الاحتجاج على أولئك، وتنبيه وعظة للمؤمنين.

أما الاحتجاج عليهم: فإنه معلوم؛ لأنهم كانوا لا يركبون السفن والبحار مع المؤمنين، ولكن كانوا يركبون بأنفسهم، ثم أخبر عما أخلصوا له والدعاء له والتضرع، دل أنه بالله عرف ذلك؛ فذلك يدل على رسالته.

والثاني: فيه دلالة أنهم قد عرفوا وحدانية الله وألوهيته؛ حيث فزعوا عند الشدائد والبلايا إلى الله، وأخلصوا له الدين، ثبت أنهم قد عرفوا سفه أنفسهم في عبادتهم الأصنام وتركهم عبادة الله، تعالى.

والثالث: تصديقاً لقوله:وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [الأنعام: 28]؛ لأنهم كانوا يسألون الرد إلى الدنيا ليؤمنوا به؛ كقولهم:يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا } [الأنعام: 27]، فأخبر أنهم يعودون إلى ما كانوا؛ كما عادوا إذا كشف عنهم الضر.

وأما العظة والتنبيه للمؤمنين: فهو أن يكونوا في الأحوال كلها على حال واحد في حال الرخاء والشدة، ذاكرين له شاكرين؛ لأنهم في حال الشدة والبلايا أكثر ذكراً له وإنابة من حال السعة والرخاء، فينبههم ليكونوا في كل حال ذاكرين له منيبين إليه راجعين.

وفيه دلالة: شدة سفه أولئك الكفرة؛ حيث أنابوا إليه وأخلصوا له الدين عندما يصيبهم الشدة والبلاء، ويعرضون عنه ويشركون في ألوهيته عند السعة. وفي طباع الخلق في الشاهد خلاف ذلك: أن من ضيق على آخر أمره وشدده فهو يعرض عنه ويبغضه، ومن أنعم عليه من ملوك الأرض وأحسن - أطاعه وأحبه؛ فهم لشدة سفههم عكس طباعهم، وخالفوا طباع الناس جميعاً، والله أعلم.

وقوله: { ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً }.

أي: السعة والرخاء.

{ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ }.

فإن قيل: ما فائدة ذكر هذه الآيات وأمثالها، وهم كانوا لا يؤمنون بها، ولا ينظرون فيها.

قيل: قد يحتج عليهم بما لا يقرون ولا ينظرون فيه.

أو أن ينظر في ذلك فريق منهم ويعرفونه، والله أعلم.

وقوله: { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ }.

اختلف فيه:

قال بعضهم: هو على التقديم والتأخير؛ يقول: إذا أذاقهم منه رحمة؛ لئلا يكفروا، وإنما أذاقهم رحمة لئلا يكفروا، لكنهم كفروا، إلى هذا ذهب مقاتل.

وعندنا ما ذكرنا: هو أذاقهم منه رحمة؛ ليكون منهم ما قد علم أنهم يختارون، ويكون منهم، وهو الكفر، ولا جائز أن يذيقهم الرحمة؛ لئلا يكفروا، ويعلم منهم أنهم يختارون الكفر ويكون منهم ذلك؛ فدل أنه ما ذكرنا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7