الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }

قوله: { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } حرف " من " إنما يتكلم به ويعبّر عمّن له الملك والتدبير والتمييز، وحرف " ما " عن ملك الأشياء نفسها، فإذا كان من له الملك في الشيء والتدبير والأمر له فالأملاك أحق أن تكون له.

يخبر - والله أعلم - عن غناه وسلطانه وقدرته، أي: من له ما ذكر في السماوات والأرض لا يحتمل أن يمتحنهم ويأمرهم بأنواع العبادات والطاعة لحاجة نفسه؛ إذ هو غني عن ذلك، ولكنه إنما يمتحن ويأمرهم بأنواع العبادة وأنواع المحن لمنافع أنفسهم وحاجاتهم ومصالحهم، فإذا كان له ما ذكر من الملك لا يحتمل أن يعجزه شيء أيضاً.

وقوله: { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } قال بعضهم: القنوت: القيام، والقانت: القائم، فإن كان هذا فتأويله: { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } أي: قائم بتدبيره وأمره في الوجود والعدم، والابتداء والإعادة، وفي كل حال: إن أوجد وجد، وإن أعدم صار معدوماً، وإن أحياه حيي، ونحوه، في كل حال يقوم بتدبيره وأمره.

وقال بعضهم: { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } أي: مطيعون، فإن كان على هذا ونحوه فهو في كل حال يقوم بتدبيره وأمره.

وقال بعضهم: { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } أي: مطيعون، فإن كان على هذا فهو على طاعة الخلقة له، والشهادة لله بالوحدانية والربوبية، والتدبير له، والعلم في ذلك؛ لأن الله جعل في خلقة كل أحد، وكل شيء، وفي صورته ما يشهد له بالوحدانية والربوبية، ويدل على تدبيره وعلمه وحكمته، فكل له قانت ومطيع بالخلقة والصنعة.

وقال بعضهم: { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } أي: خاضعون، فهو يرجع إلى حال دون حال، وهو حال الخوف والضرورة، يخضع له كل كافر ومشرك في تلك الحال، وهو ما أخبر عنهم من الخضوع له إذا ركبوا الفلك؛ حيث قال:فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [يونس: 65] وقولهم:لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [يونس: 22] ونحو ذلك من الأحوال التي كانوا يخضعون له ويطيعون، والله أعلم.

وقوله: { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } لا يحتمل أن يخلقهم وينشئهم لحاجة نفسه، أو لمصلحته؛ لأنه غني بذاته، أو يمتحنهم لمنفعة نفسة، أو يأمره لذلك، ولكن إنما يبدئ ويعيد لحاجة أنفسهم.

أو يخبر أن من قدر على ابتداء الشيء يملك إعادته.

{ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } اختلف فيه:

قيل: { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } هيّن ابتداؤه وإعادته؛ كقوله:وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } [التغابن: 7] وقوله:هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } [مريم: 9]، ويجوز العبارة بأفعل عن فعيل؛ نحو ما يقال: الله أكبر؛ أي: كبير، وأعظم بمعنى: عظيم، ونحوه كثير؛ فعلى ذلك قوله: { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } أي: عليه هيّن؛ إذ ليس شيء أصعب على الله من شيء، أو شيء أهون عليه من شيء؛ بل الأشياء كلها بمحل واحد تحت قوله: { كُنْ } وإنما يقال: أهون وأيسر، لمن كان فعله بسبب، فيهون عليه إذا كثرت الأسباب، ويصعب عليه ذلك إذا قلت وضعفت، فأمّا الله - سبحانه وتعالى - فهو الفاعل للأشياء، وصانعها، والقادر عليها بسبب وبلا سبب، فلا جائز أن يقال شيء أهون من شيء، وإنما يجوز ذلك فيمن كان فعله لا يكون إلا بسبب.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7