الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ صَدَقَ ٱللَّهُ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } * { فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ }

[قوله: { صَدَقَ ٱللَّهُ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } الآية:

قد ذكرنا فيما تقدم].

وقوله: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً }:

قيل فيه بوجوه؛ قيل: إن أوّل بيت مبارك وضع للناس هو بكة.

وقيل: أوّل مسجد وضع للناس مكة.

وقيل: يريد بـ " بكة " البقعة، أي: أوّل بقعة خلق اللهُ هو بكة، ومنها دحيت الأرض.

وقيل: إن آدم - عليه السلام - لما أمر بالحج فيه، قال جبريل - عليه السلام -: " قد حج فيه الملائكة قبلك بألفي عام ".

وقيل: خلق الله البيت قبل الأرض بألفي عام.

ثم اختلف في قوله " بكة "؛ قيل " البكة ": الزحام.

وقيل: " البكة "؛ موضع البيت، ومكة سائل القرية.

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: " مكة من فخ إلى التنعيم إلى آخر المنحر، وبكة: من البيت إلى البطحاء ".

وقيل: " بكة ": الكعبّة؛ حيث يبك الناس، أي: يزدحم بعضهم بعضاً، بـ " مكة ": ما وراءها.

وقوله: { مُبَارَكاً } ، قيل: يغفر فيه الذنوب والخطايا.

{ وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ }:

يحتمل قوله: { فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ } - ما لو تأمّلوا لهداهم؛ وذلك أن الله - عز وجل - خلق هذا البيت بين الجبال في أرض ملساء قليلة الإنزال والريع، لا ماء فيه ولا شجر ولا نزهة؛ ما لا يرغب الخلق إلى مثله، ثم جعل قلوب الناس تميل وتهوي إليه أفئدتهم من غير أن كان فيه ما يرغبهم من النزهة، فلولا أن كان ذلك من آيات الله ولطفه؛ وإلا ما رغب الناس إلى مثله.

ويحتمل قوله: { فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ } - ما ذكر: { مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } ، وذلك آياته، والله أعلم.

وقوله: { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً }: ظاهره فيمن يجني، ثم دخل الحرم آمن؛ لأن من لم يجن فهو آمن أين دخل من الحرم وغيره، وإنما الآية على ما يخص بالأمن إذا دخل الحرم دون غيره.

وقد روي عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق هذا، ورُوي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: " إذا أصاب الرجل الحدَّ في الحرم، أقيم عليه، وإن أصابه في غير الحرم، ثم لجأ إليه، لا يُحَدَّث، ولا يُجالَس، ولا يُؤَاكَلَ، ولا يبايع، حتى يخرج منه؛ فيؤخذ، فيقام عليه الحد ".

ورُوي عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: " لو وجدنا قاتل أبينا في الحرم لم نقتله ".

ورُوي عن الحسن - رحمه الله - أنه قال في قوله: { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } - كان هذا في الجاهلية، فأما الإسلام: فلم يزده إلا شدة: من أصاب الحدّ في غيره، لم لجأ - إليه أقيم عليه الحدّ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7