الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً [لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } الآية:

اختلف فيه، قيل: قوله: { كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ } ]، أي: ماتوا على ذلك، فذلك زيادتهم الكفر.

وقيل: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }: بعيسى بعد الإيمان بالرسل جميعاً، ثم ازدادوا كفراً: بمحمد صلى الله عليه وسلم { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } ، قيل: لن تقبل توبتهم التي تابوا مرة ثم تركوها.

وقيل: { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } التي أظهروا باللسان، وما كان ذلك في قلوبهم، أي: ليست لهم توبة [إلا أن] يكون توبة منهم فترد؛ كقوله:لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ } [النجم: 26].

وقيل: هم قوم علم الله أنهم لا يتوبون أبداً؛ فأخبر أنه لا يقبل توتبهم؛ كقوله:ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [البقرة: 6].

وقيل: لا تقبل توبتهم عند الموت؛ كقوله:فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [غافر: 84] وكقوله:وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } [النساء: 159]، وكقوله:لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ } [الأنعام: 158]: أخبر أنه لا ينفع الإيمان في ذلك الوقت؛ فعلى ذلك قوله: { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } في ذلك الوقت؛ إذا داموا على الكفر إلى ذلك الوقت.

قال الشيخ - رحمه الله - في قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } -: ذلك في قوم مخصوصين، أي: لا يكون منهم توبة؛ كقوله:وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ } [البقرة: 48]، أي: لا شافع لهم، ويحتمل عند رؤية بأس الله وجزاء فعله عند القيامة أو معاينة الموت؛ يدل على ذلك الآية التي تقدمت.

وقوله: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً... } الآية.

قوله: { فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } ، يقول: لو كان معهم لافتدوا به أنفسهم - ما قبل منهم، ولكن لا يكون؛ كقوله:وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } [البقرة: 48]، أي: لا يكون لهم شفيع، لا أن كان لهم شفعاء فيشفعون فلا تقبل شفاعتهم، ولكن لا يكون لهم؛ فهذا يدل على أن قوله: { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } ، أي: لا يتوبون، والله أعلم.

وروي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " يُجَاءُ بالكَافِرِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: أَرأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلءُ الأرْضِ ذهباً، أكُنْتَ مُفْتَدياً به؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبّ، فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ سُئِلْتَ أيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ! ".

وقوله: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ }.

يحتمل أن تكون الآية - والله أعلم - في كفار منعهم عن الإسلام الزكاةُ والصدقات التي تجب في الأموال؛ كقوله:

السابقالتالي
2