الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }

قوله: { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ } الآية.

قال مجاهد: هذا خطأ من الكاتب، وهي في قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه - " ميثاق الذين أوتوا الكتاب "؛ على ما ذكر في آية أخرى:وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [آل عمران: 187] لأن الميثاق لا يؤخذ على النبيين أن يصدّقوا، لكنه يجوز هذا.

ثم اختلف فيه، قيل: ميثاق الأوّل من الأنبياء - ليصدّقنّ بما جاء به الآخر منهم، لو أدرك.

وقيل: أخذ الله ميثاقاً على النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته إلى قومهم؛ ففعلوا، ثم أخذوا مواثيق قومهم أن يؤمنوا بمحمّد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه وينصروه.

وقيل: أخذ الله على النبيين ميثاقاً على أن يبلغوا الرسالة إلى قومهم، ويدعوا الناس إلى دين الله.

قال الكسائي فيه بوجهين:

أحدهما: يقول: ميثاق الذين منهم النبيّون وهم بنو إسرائيل، وكل ميثاق ذكره الله - تعالى - في القرآن في أهل الكتاب، فإنما يراد به بنو إسرائيل.

والثاني: ذكره كما ذكرنا من تصديق بعضهم بعضاً، وتبليغ كتب الله إلى قومهم.

وقوله: { ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ }.

أخذ عليهم الميثاق؛ ليأخذوا على قومهم المواثيق أن يؤمنوا بمحمّد صلى الله عليه وسلم إذا خرج وينصروه.

وقوله: { قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ }:

قال الله - تعالى - للأنبياء: { قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي } ، قيل: هو عهدي. والإصر: قيل: هو العهد.

{ قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا }.

بالعهد لنؤمنن به ولننصرنه، وأخذنا على قومنا ليؤمنن به ولينصرنه، وقال الله - تعالى -: { فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ }.

يقول الله - تعالى -: وأنا على إقراركم بمحمّد صلى الله عليه وسلم من الشاهدين.

وقيل: قال الله: فاشهدوا أني قد أخذت عليكم بالعهد، وأنا معكم من الشاهدين أنكم قد أقررتم بالعهد.

يقول الله - تعالى -: { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ }.

العهد بالإقرار بنقض العهد، والرجوع عن الإقرار.

{ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }.

وقوله: { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ }:

الدين كأنه يتوجه إلى وجوه يرجع إلى اعتقاد المذهب في الأصل، ويرجع إلى الحكم والخضوع، كقوله - تعالى -:أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } [المائدة: 50]، ويرجع إلى الجزاء.

ثم قوله: { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ }: كأن كلا منهم يبغي ديناً هو دين الله، ويدعي أن الدين الذي هو عليه دين الله، لكن هذا - والله أعلم - كل منهم في الابتداء يبغي دين الله في نفسه، لكن بَانَ له من بعد وظهر بالآيات والحجج أنه ليس على دين الله، وأن دين الله هو الإسلام، فلم يرجع إليه ولا اعتقده، ولزم غيره بالاعتناد والمكابرة؛ فهو باغٍ غيرَ دين الله، والله أعلم.

السابقالتالي
2