قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ }: قيل: عهد الله: أمره ونهيه. يحتمل هذا العهد فيما عهدوا في التوراة ألا يكتموا نعته وصفته؛ ولكن يظهرون ذلك للناس ويقرون به. { وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً }: أيمانهم التي حلفوا كذباً أن ليس نعته وصفته فيه؛ مخافة ذهاب منافعهم. ويحتمل: أن حلفوا كذباً، فأخذوا أموال الناس بالباطل والظلم؛ وعلى ذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ؛ لِيَقْطَعَ بِهَا مَالَ امْرِىءٍ مُسْلِم لَقِيَ الله - تعالى - وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ " وتلا هذه الآية: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً... } الآية. والعهد والإيمان سواء؛ ألا ترى [إلى قوله - عز وجل -:{ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ... } [النحل: 91] الآية. ويحتمل عهد الله: ما قبلوا عن الله]، وما ألزمهم الله، والأيمان: ما حلفوا، والله أعلم. وقوله: { أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ }: أي: لا نصيب لهم في الآخرة مما ذكروا أن لهم عند الله من الخيرات والحسنات؛ كقوله:{ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [البقرة: 217]. وقوله: { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ }: يحتمل وجهين: يحتمل: أنه أراد بذلك كلام الملائكة الذين يأتون المؤمنين بالتحية والسلام من ربهم؛ كقوله:{ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } [الرعد: 23-24]. وقوله: (لا تكلمهم) الملائكة؛ على ما تكلم المؤمنين، أضاف ذلك إلى نفسه، على ما ذكرنا فيما تقدم من إضافة النصر إليه على إرادة أوليائه؛ فكذلك هذا، أو أن يكون الله - عز وجل - كان قد كلمهم بتكليم الملائكة إياهم؛ لأنهم رسله؛ فكان كقوله:{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً } [الشورى: 51]: صيّره ببعث الرسل كأنْ قد كلمهم هو؛ فكذلك الأوّل. ويحتمل: أن يكون الله - عز وجل - يكرم المؤمنين في الجنة بكلامه عال ما كلم موسى في الدنيا؛ فلا يكلمهم كما يكلم المؤمنين. ويحتمل: لا يكلمهم بالرحمة سوى أن يقول لهم:{ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108]؛ وكقوله: { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ }. وقوله: { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ }: نظر رحمة، كما ينظر إلى المؤمنين بالرحمة. وقوله: { وَلاَ يُزَكِّيهِم }: أي: لا يجعل لخيراتهم ثواباً. ويحتمل: أن يكون هذا في قوم علم الله منهم أنهم لا يؤمنون أبداً؛ فقال: لا يزكيهم، أي: لا تزكو أعمالهم. وقوله: { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ }: أي: كانوا يحرفون ألسنتهم بالكتاب على التعظيم والتبجيل: { لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ } أي: كانوا يحرفون نعته - عليه أفضل الصلوات - وصفتَهُ، ثم يتلونه على التعظيم والتبجيل؛ ليحسبوه من الكتاب المنزل من السماء، وما هو من الكتاب الذي أنزل من السماء.