الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } * { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ }

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ }:

قيل: عهد الله: أمره ونهيه.

يحتمل هذا العهد فيما عهدوا في التوراة ألا يكتموا نعته وصفته؛ ولكن يظهرون ذلك للناس ويقرون به.

{ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً }:

أيمانهم التي حلفوا كذباً أن ليس نعته وصفته فيه؛ مخافة ذهاب منافعهم.

ويحتمل: أن حلفوا كذباً، فأخذوا أموال الناس بالباطل والظلم؛ وعلى ذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ؛ لِيَقْطَعَ بِهَا مَالَ امْرِىءٍ مُسْلِم لَقِيَ الله - تعالى - وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ " وتلا هذه الآية: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً... } الآية.

والعهد والإيمان سواء؛ ألا ترى [إلى قوله - عز وجل -:وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ... } [النحل: 91] الآية.

ويحتمل عهد الله: ما قبلوا عن الله]، وما ألزمهم الله، والأيمان: ما حلفوا، والله أعلم.

وقوله: { أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ }:

أي: لا نصيب لهم في الآخرة مما ذكروا أن لهم عند الله من الخيرات والحسنات؛ كقوله:حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [البقرة: 217].

وقوله: { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ }:

يحتمل وجهين:

يحتمل: أنه أراد بذلك كلام الملائكة الذين يأتون المؤمنين بالتحية والسلام من ربهم؛ كقوله:وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } [الرعد: 23-24].

وقوله: (لا تكلمهم) الملائكة؛ على ما تكلم المؤمنين، أضاف ذلك إلى نفسه، على ما ذكرنا فيما تقدم من إضافة النصر إليه على إرادة أوليائه؛ فكذلك هذا، أو أن يكون الله - عز وجل - كان قد كلمهم بتكليم الملائكة إياهم؛ لأنهم رسله؛ فكان كقوله:وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً } [الشورى: 51]: صيّره ببعث الرسل كأنْ قد كلمهم هو؛ فكذلك الأوّل.

ويحتمل: أن يكون الله - عز وجل - يكرم المؤمنين في الجنة بكلامه عال ما كلم موسى في الدنيا؛ فلا يكلمهم كما يكلم المؤمنين.

ويحتمل: لا يكلمهم بالرحمة سوى أن يقول لهم:ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108]؛ وكقوله: { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ }.

وقوله: { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ }:

نظر رحمة، كما ينظر إلى المؤمنين بالرحمة.

وقوله: { وَلاَ يُزَكِّيهِم }:

أي: لا يجعل لخيراتهم ثواباً.

ويحتمل: أن يكون هذا في قوم علم الله منهم أنهم لا يؤمنون أبداً؛ فقال: لا يزكيهم، أي: لا تزكو أعمالهم.

وقوله: { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ }:

أي: كانوا يحرفون ألسنتهم بالكتاب على التعظيم والتبجيل:

{ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ }

أي: كانوا يحرفون نعته - عليه أفضل الصلوات - وصفتَهُ، ثم يتلونه على التعظيم والتبجيل؛ ليحسبوه من الكتاب المنزل من السماء، وما هو من الكتاب الذي أنزل من السماء.

السابقالتالي
2 3