الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { هٰأَنْتُمْ هَؤُلاۤءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله: { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ }.

قيل: وذلك أن اليهود قالوا: إن إبراهيم كان على ديننا اليهودية، والنصارى ادعت أنه كان على دينهم ومذهبهم، ليس على دين الإسلام؛ فنزل قوله: { لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ }.

يعني: في دين إبراهيم.

{ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ } يعني: من بعد إبراهيم، وهو يحتمل وجهين:

يحتمل: أن التوراة والإنجيل إنما نزلا من بعده، وأنتم لم تشهدوه - يعنى: إبراهيم - حتى تعلموا أنه كان على دينكم، لم تقولون بالجهل أنه كان على دينكم؟!.

ويحتمل: { وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ } ، أي: أن التوراة والإنجيل ما نزلا إلا من بعد موته، وكان فيهما أنه كان حنيفاً مسلماً.

{ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }.

أنه كان حنيفاً مسلماً؟! ثم أكذبهم الله - عز وجل - فقال:

{ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }.

قال الشيخ - رحمه الله -: وفي هذه الآية دلالة أنهم علموا أنه كان مسلماً، لكن أدعوا ما ادعوا متعنتين؛ حيث لم يقابلوا بكتابهم بالذي ادعوا من نعته، وبخلاف ما ادعى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نعته.

وفيه دلالة الرسالة؛ إذ في دعواهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعرف نعته بهم، لما ادعوا هم غير الذي ادّعى؛ فثبت أنه عرف بالله، وذلك علم الغيب، والله الموفق.

وقوله: { هٰأَنْتُمْ هَؤُلاۤءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ }:

وهو ما ذكرنا، وفيه دلالة جواز المحاجة في الدين على العلم به، وإنما نهي هؤلاء عن المحاجة فيما لا علم لهم؛ ألا ترى أن الرسل - عليهم السلام - حاجوا قومهم: جاج إبراهيم قومه في الله، وذلك قوله:وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } [الأنعام: 83]، وموسى - عليه السلام - حاج قومه، وما من نبي إلا وقد حاج قومه في الدين؛ فذلك يبطل قول من يأبى المحاجة في الدين.

قال الشيخ - رحمه الله -: وأيد الحقَّ أنه كذلك - عجزُ البشر عن إيراد مثله، وعجزهم من المقابلة بما ادعوا أنهم عرفوه بالله.

وقوله: { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ }.

وهكذا يكون في العقل أن من اتبع آخر وأطاعه؛ فهو أولى به، وإنما الحاجة إلى السمع بمعرفة المتبع له والمطيع أنه ذا أو ذا؛ فأخبر - عز وجل - أن الذين آمنوا والنبي صلى الله عليه وسلم هم المتبعون له؛ فهو أولى به.

وقوله: { وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.

اختلف فيه؛ قيل: الوليّ: الحافظ.

وقيل: الولي: الناصر.

وقيل: هو أولى بالمؤمنين، وقد ذكرنا هذا فيما تقدّم.

السابقالتالي
2 3 4