الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } * { رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ }

قوله: { فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ }: قيل: أحسَّ: علم.

وقيل: أحسَّ: رأي؛ وهو كقوله:هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ } [مريم: 98].

وقيل: أحسّ، أي: وجد، وهو قول الكيساني، وقيل: عرف؛ وهو كله واحد.

ثم قوله: { فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ }:

يحتمل - والله أعلم - أن قومه لما سألوه أن يسأل ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء؛ تكون لهم آية لرسالته وصدقه؛ ففعل الله - عز وجل - ذلك، وأنزل عليهم المائدة، ثم أخبر أن من كفر منهم بعد إنزال المائدة يعذبه عذاباً لا يعذبه أحداً، فكفروا به؛ فعلم أن العذاب ينزل عليهم؛ فأحبَّ أ ن يخرج بمن آمن به؛ لئلا يأخذهم العذاب، فقال: { مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ }؛ يؤيد ذلك قوله:فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ... } الآية [الصف: 14].

ويحتمل أن يكونوا أظهروا الإسلام له، وكانوا في الحقيقة على خلاف ذلك، فلما علم ذلك منهم، وقد همُّوا على قتله، قال عند ذلك: { مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ }؛ أحبَّ أن يكون معه أنصار مع الله ينصرونه؛ فيظهر المؤمنون من غيرهم، فنصرهم الله على أعدائهم؛ ليظهر المؤمنون من غيرهم، وهو قوله:فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ } [الصف: 14].

ومن الناس من يقول: إنه لم يكن في سُنَّةِ عيسى - عليه السلام - الأمر بالقتال، وفي الآية إشارة إلى ذلك بقوله:فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ } [الصف: 14] أخبر أنهم أصبحوا ظاهرين على عدوهم؛ فلا يخلو إمَّا أن يكون قتالاً أو غلبة بحجة أو شيء ما يقهرهم، والله أعلم.

وقوله: { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ }:

اختلف في الحواريين:

قال بعضهم: هم القصَّارون الغسَّالون للثياب، ومبيِّضوها.

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: " إِنَّما سُمُّوا الحَوَارِيِّينَ؛ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ " ، وكانوا يصيدون السَّمك.

وقيل: الحواري: الوزير، والناصر، والخاص؛ على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِن لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيِّينَ، وَحَوَارِيِّي فُولانٌ وفُلانٌ " ، ذكر نفراً من الصحابة - [رضوان الله عليهم أجمعين] - وإنما أراد - والله أعلم - الناصر والوزير.

ويحتمل أن يكون سمُّوا بذلك؛ لصفاء قلوبهم، وهم أصفياء عيسى، [عليه السلام]. كذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - والله أعلم بهم.

وقوله: { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ }.

إن الله يتعالى عن أن يُنصَر، ولكن يحتمل { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } ، أي: أنصار دين الله، أو أنصار نبيه، أو أنصار أوليائه؛ تعظيماً.

وكذلك قوله:إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [محمد: 7]: إن الله لا يُنْصَرُ؛ ولكن يُنْصَرُ دِينُهُ أو رسلُهُ أو أولياؤه؛ وهو كقوله:

السابقالتالي
2