قوله: { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } الآية [آل عمران: 26]: يحتمل قوله: { مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } وجهين: أحدهما: مالك ملك كل ملك في الدنيا له حقيقة الملك. والثاني: أن الملك له، يؤتي من يشاء من ملكه، وينزع ممن يشاء الملك، وهو المالك لذلك، والقادر عليه. والآية ترد على القدرية قولهم: لأنهم يقولون: إن الله لا يعطي الكافر الملك، وهو قد أخبر - عز وجلّ - أنه يؤتي من يشاء الملك، وقد يؤتي الكافر به الملك، فإن قالوا: أراد بـ " الملك ": الدين، فقد أخبر - عز وجل - أيضا أنه ينزع، فكيف يستقيم على قولكم في الأصلح هذا. ثم في الآية تقوية لمن قرأ:{ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [الفاتحة: 4] بالألف لأنه أعمّ وأجمع؛ لأنه قال: { مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } وهو أعمّ. والثاني: أن " الملك " إنما يعتبر عن الولاية والسلطان، و " المالك ": إنما يعبر عن حقيقة الملك، ومن له في الشيء حقيقة الملك - فله ولاية التغلب والتصرف فيه ولاية السلطان، ولا كل من له ولاية السّلطان يكون له ولاية التغلب فيه؛ لذلك كان بالألف أقرب، ومن قرأ: " ملك يوم الدين " بغير ألف ذهب إلى أن هذا كقوله:{ ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } [الحج: 56] ومن الملك يقال: ملك؛ لا يقال: مالك؛ لذلك كان ما ذكر، والله أعلم. والمالك - على الإطلاق - لا يقال إلا [على الله]؛ وكذلك الرب - على الإطلاق - لا يقال إلا [على الله]، وأما العبد فإنه يقرن الشيء إليه؛ فيقال ربّ الدار ومالكها، ورب الدابة ومالكها، والله أعلم. وقوله: { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ }: قال قائلون: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصّة. وقال آخرون: الخطاب بذلك لكل عاقل؛ وهو كقوله:{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] إلى آخر الآية، ذلك الخطاب لكل أحد لا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصّة. وقال الشيخ - رحمه الله -: ليس هو خطاب؛ ولكنه أمر بالبلاغ ليقوله كل أحد؛ لأنه لو خوطب به لم يذكر " قل " عند قراءته. وقوله: { ٱللَّهُمَّ }: قال قائلون: " اللهم " يعني: يا آلهتهم. وقال آخرون: " الله " - على القطع - " أمّنا " اقصدنا بالخير، والله أعلم. قال الشيخ - رحمه الله - في قوله: { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } الآية: فكأنه - عز وجل - امتحن من رغب في الملك، أو نال حظّاً منه - أن يصرفوا وجه الرغبة إليه، أو يروا حقيقة ما نالوه منه؛ فيوجهون إليه الشكر، ويخضعون له بالعبادة والطاعة فيما أمرهم به؛ لينالوا شرفة ويدوم له عزّه؛ وذلك كقوله: