الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } * { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قوله - عز وجل -: { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ }:

يحتمل تقلبهم وجوهاً.

وذلك نعمة من الله عليهم؛ لترْكِهِم يَتَّجِرون في البلدان مع كفرهم بربهم.

والثاني: أعطاهم أموالاً يتنعمون فيها ويتلذذون.

والثالث: ما أخر عنهم العذاب والهلاك إلى وقت.

يقول: لا يغرنك يا محمد ذلك؛ إنما هو متاع يسير، [و] مصيرهم إلى النار؛ كقوله - تعالى -:فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ... } الآية [التوبة: 55]؛ وكقوله:وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً... } الآية [آل عمران: 178].

قال: وليس الاغترار في نفس التقلب؛ لأنه جهد ومشقة؛ ولكن لما فيه من الأمن والسعة والقوة؛ دليله قوله - تعالى -: { مَتَاعٌ قَلِيلٌ } ، ثم قال: { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } ، وسعيهم للآخرة متاع لا ينقطع.

وقوله - عز وجل -: { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ }

يعني: الشرك.

{ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ... } إلى آخر ما ذكر { ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ }.

يحتمل أن يكون الأمر ما ذكر في بعض القصّة: أن بعض المؤمنين قالوا: إن الكفار في خصب ورخاء، ونحن في جهد وشدة؛ فنزل: لا يغرنك تقلبهم في ذلك؛ إنما هو متاع قليل، وذلك ثوابهم في الدنيا، وأما ثواب الذين اتقوا ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار... إلى آخر ما ذكر.

وقوله - عز وجل -: { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ }

يعني: القرآن.

{ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ }

يعني: التوراة.

ثم اختلف في نزوله: قال بعضهم: نزل في شأن عبد الله بن سَلامٍ وأصحابه: أقرُّوا بأنه واحد لا شريك له، وصدقوا رسوله صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه... الآية.

وقيل: نزل في شأن النجاشي، وروي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى على النجاشي قال أناس من المنافقين: يصلي على حبشي مات في أرض الحشبة؛! فأنزل الله - عز وجل -: { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ... } الآية.

وعن الحسن قال: " لما مات النجاشي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " استغفروا لأخيكم " قالو: يا رسول الله، لذلك العِلْج؟! فأنزل الله - عز وجل -: { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ... } الآية، وقيل: لما صلّى عليه [رسول الله صلى الله عليه وسلم]؛ قال المنافقون: صلى على من ليس من أهل دينه؛ فأنزل الله الآية ".

وعن الزهري عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي، فكبَّر عليه أربع تكبيرات، وصففنا في المصلَّى خلفه، وكان مات بالحبشة.

السابقالتالي
2