الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ }

قوله: { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ }.

قيل: فيه بوجوه:

قيل: شهد الله شهادة ذاتية، أي: هو بذاته، { أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ }؛ إذ في ذاته ما تليق الشهادة بمثله له من الألوهية والربوبية، وليس ذلك في ذات غيره، وبالله العصمة.

وقيل: شهد الله بما خلق من الخلائق أنه لا إله إلا هو، أي: خلق من الخلائق ما يشهد خلقه كل أحد على وحدانيته وإلهيته، لو نظروا في خلقتهم وتدبوا فيها؛ وكذلك الملائكة، وأولو العلم شهدوا أنه لا إله إلا هو، على تأويل الأول. وعلى تأويل الثاني: أن خلقَه الملائكةَ - وأولي العلم - يشهد على وحدانيته؛ فشهدوا على ذلك، إلا الجهّال؛ فإنهم لم يتأمّلوا في أنفسهم، ولا تفكروا في أنفسهم؛ فلم يشهدوا به؛ لأنه أمر الرسل والأنبياء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، فقوله وأمره به - شهادةٌ منه، ويحتمل شهادة القول؛ كقوله:إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ } [الأحزاب: 56]، وذلك من الله: الربوبية، ومن الخلق: العبودية له؛ فيجب أن تعرف الربوبية من العبودية؛ ففيه دلالة خلق الإيمان؛ فمن قال: إنه غير مخلوق - لم يعرف ذا من ذلك، وبالله التوفيق.

وقيل: " شهد الله " أي: علم الله أنه لا إله إلا هو، وكذلك علم الملائكة وأولوا العلم أنه لا إله إلا هو، فإن قال لنا ملحد: كيف صح، وهو دعوى؟!

قيل: لأن دعوى من ظهر صدقه في شهادته إذا شهد، وهو مقبول، وهو بما ادعى من الألوهية والربوبية؛ إذا لم يَسْتَقِلهُ أحد - ظهر صدقه، وقهر كل مذكب له في دعواه، وبالله النجاة.

وقوله: { قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ }:

أي: حافظ ومتولٍّ؛ كقوله:قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [الرعد: 33]، أي: حافظ لها ومتولٍّ؛ كما يقال: فلان قائم على أمر فلان، أي: حافظ لأمره، ومتعاهد لأسبابه.

قال الشيخ - رحمه الله -: وقيل: هو عادل، أي: لا يجور، لا أن ثم معنى القيام؛ كقوله:قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ } [النساء: 135]: مقسطين، لا أن ثم للقيام فيه معنى يسبق الوهمُ إليه، والله أعلم.

وقوله: { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ }.

قال قائلون: إن الدّين الذي هو حق [مِنْ] بين الأديان، وهو الإسلام؛ لأن كل أحد منهم ممن دان ديناً يدعي أنَّه هو دين الله الذي أمر به.

وقال قوم: إن الدِّين الذي أمر به الآمر من عند الله هو دين الإسلام؛ لأنهم كانوا مع اختلافهم مقرين بالإيمان، لكن بعضهم لا يقرون بالإسلام؛ فأخبر - [عز وجلّ] - أن الدّين الذي أمر به وفيه التوحيد هو دين الإسلام، لاغيره؛ ألا ترى أنه قال:مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً... }

السابقالتالي
2 3 4 5 6