الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } * { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } * { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله - عز وجل -: { لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ }:

يحتمل الابتلاء في الأموال والأنفس: أن يُبْلَوْا بالنقصان فيها؛ كقوله - عزَّ وجَلَّ -:وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ... } الآية [البقرة: 155].

ويحتمل: أن يُبْلَوْا بما جعل فيها من العبادات، [من نحو: الزكاة في الأموال والصدقات والحقوق التي جعل فيها، وفي الأنفس: من العبادات]: من الصلاة والجهاد والحج، وغيرها من العبادات، و الله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ }:

يعني: الذين لهم علم بالكتاب ومن غيرهم.

{ أَذًى كَثِيراً }

[أي: تسمعون أنتم من هؤلاء أذى كثيراً، على ما سمع إخوانكم الذين كانوا من قبلكم من أقوامهم أذى كثيراً]؛ كقوله - عز وجل -:فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } [آل عمران: 184].

وقوله - عز وجل -: { وَإِن تَصْبِرُواْ }:

على أذاهم.

{ وَتَتَّقُواْ }:

مكافأتهم، على ما صبر أولئك واتقوا مكافأتهم.

{ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }:

قيل: من خير الأمور؛ هذا يحتمل.

وقيل: { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ }

من قولهم: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ } ، يعني: العرب، { أَذًى كَثِيراً } ، يعني: نصب الحروب فيما بينهم، والقتال، والسب وغير ذلك، { وَإِن تَصْبِرُواْ }: على ذلك والطاعة له، { وَتَتَّقُواْ }: معاصي الربِّ، { فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }:، يعني: من حزم الأمور.

وقوله - عز وجل -: { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ }:

أي: الذين أوتوا العلم بالكتاب، وأَخَذَ الميثاق؛ ليبينوا، أي: يُبَيِّنُوا للناس ما في الكتاب من الأمر والنهي، وما يحل وما يحرم، وغير ذلك من الأحكام، ولا يكتموا ذلك.

ويحتمل: أن أخذ عليهم الميثاق: أنْ بَيَّنُوا للناس بَعْثَ محمد صلى الله عليه وسلم وصِفَتَهُ، ولا تكتموه بالتحريف وبترك البيان.

وقوله: { فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ }

أي: لم يعملوا بما فيه، ولا بينوا للناس؛ فهو كالمنبوذ وراء ظهروهم.

{ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً... } الآية:

قد ذكرنا معناه في غير موضع.

وعن علي - رضي الله عنه - قال: " ما أخذ الله ميثاقاً على أهل الجهل بطلب العلم، حتى أخذ ميثاقاً من أهل العلم ببيان العلم؛ لأن العلم كان قبل الجهل ".

وقوله - عز وجل -: { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ }:

قيل: بما غيَّروا من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته في كتابهم وكتموه، وتبديلهم الكتاب، وإعجاب الناس ذلك وحمدهم على ذلك.

وقيل: إن اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نحن نعرفك ونصدقك - وليس ذلك في قلوبهم - فلما خرجوا من عند [رسول الله] صلى الله عليه وسلم قال لهم المسلمون: ما صنعتم؟ فيقولون: عرفناه وصدقناه؛ فيقول المسلمون: أحسنتم، بارك الله فيكم: يحمدهم المسلمون على ما أظهروا من الإيمان، وهم يحبون أن يحمدوا على ذلك؛ فذلك تأويل قوله: { وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ }.

السابقالتالي
2