الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ }

قوله - عز وجل -: [ { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ }

أوتوا العلم بالكتاب أن ما يؤتون من المال، وينالون من النيل بكتمان بعث محمد صلى الله عليه وسلم وصفته وتحريفهما - أن ذلك] خير لهم.

{ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ }

في الدنيا والآخرة، ولو لم يكتموا كان خيراً لهم في الدنيا ذكراً وشرفاً، وفي الآخرة ثواباً وجزاء.

وقيل: نزلت في مانعي الزكاة؛ بخلاً منهم وشحاً؛ فذلك وعيد لهم. والأوّل أشبه، والله أعلم. وإن كان في الزكاة - قيل: الجحود بها؛ كقوله - تعالى -:ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [فصلت: 7].

وقوله - عز وجل -: { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ }:

فإن كان على التأويل الأول من كتمان نعته وصفته؛ فهو - والله أعلم - يطوق ذلك في عنقه يوم القيامة؛ ليعرفه كل أحد؛ كقوله - عز وجل:وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [الإسراء: 13].

وإن كان على التأويل الثاني - قيل: إن الزكاة التي منعها تصير حية ذكراً شجاعاً أقرع ذو ذنبتين، يعني: نابين؛ فيطوق بها في عنقه، فتنهشه بنابيها؛ فيتقيها بذراعيه، حتى يقضي بين الناس، فلا يزال معه حتى يساق إلى النار، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }:

في الآية دلالة أن أهل السماوات يموتون، ليس على ما يقوله القرامطة: إنهم لا يموتون؛ لأنه أخبر أن له ميراث السماوات والأرض، والوارث هو الذي يخلف المورِّث؛ دلّ أنه مما ذكرنا، وإن كانوا هم وجميع ما في أيديهم لله - عز وجل - ملكاً له وعبيداً؛ ألا ترى أنه روي في الخبر: " لاَ يَرِثُ الكَافِرُ المُسْلِمَ، وَلاَ المُسْلِمُ الكَافِرَ، إِلاَّ المَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ " سمى ما يكون للمولى من عبده ميراثاً، وإن كان العبد وما في يده ملكاً للمولى: فعلى ذلك الأوّل: سمى الله - عز وجل - ذلك ميراثاً له، وإن كان عبيده وما في أيديهم ملكاً له، والله أعلم.

قال الشيخ - رحمه الله -: [وقوله - تعالى] -: { وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }: وكانت له لا بحق الميراث؛ لوجهين:

أحدهما: على الإخبار عن ذهاب أهلها، وبقائه - عز وجل - دائماً؛ إذ ذلك وصف المواريث أن تكون لمن له البقاء بعد فناء من تقدم، والله - عز وجل - هو الباقي بعد فناء الكل، مما يجوز القول بما هو له في الحقيقة من قبله بالميراث؛ من حيث مَلَّكَ غيره الانتفاع بذلك؛ وعلى ذلك المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لاَ يَرِثُ الكَافِرُ المُسْلِمَ، وَلاَ المُسْلِمُ الكَافِرَ، إِلاَّ المَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ "

السابقالتالي
2 3 4