الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

قوله - عز وجل -: { وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ }

يحتمل الآية وجهين:

يحتمل: ولا يحزنك الذين ظاهروا غيرهم من المشركين عليكم، وقد ظاهر أهل مكة غيرهم من المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول الله لرسوله: { وَلاَ يَحْزُنكَ } مظاهرتهم عليك؛ فإن الله ينصرك؛ فيخرج هذا مخرج البشارة له بالنصر على أعدائه والغلبة عليهم.

ويحتمل - أيضاً - وجهاً آخر: وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشتد عليه كفرهم بالله، ويحزن لذلك، كقوله - تعالى -:لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 3]؛ فيخرج قوله: { وَلاَ يَحْزُنكَ } مخرجَ تَسْكينِ الحزن، ودفْعِهِ عنه، والتسلِّي عن ذلك، لا مخرج النهي؛ إذ الحزن يأخذ الإنسان، ويأتيه من غير تكلف ولا صنع، وكقوله - تعالى -:لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } [التوبة: 40]: هو على مخرج التسكين والدفع عنه، لا على النهي؛ فكذلك الأول - والله أعلم - وكقوله - تعالى - لأم موسى - عليه السلام -:وَلاَ تَحْزَنِيۤ } [القصص: 7].

وقوله - عز وجل -: { إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً }:

يحتمل قوله: { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } ، أي: لن يضروا أولياء الله - عز وجل - إنما ضرر ذلك عليهم؛ كقوله - تعالى -:عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } [المائدة: 105].

ويحتمل: { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً }؛ لأنه ليس لله في فعلهم وعملهم نفع، ولا في ترك ذلك عليه ضرر؛ إنما المنفعة في عملهم لهم، والضرر في ترك عملهم عليهم، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ٱلآخِرَةِ }:

هذه الآية تنقض على المعتزلة قولهم؛ لأن الله - تعالى - يقول: أراد ألا يجعل لهم في الآخرة حظاً؛ المعتزلة يقولون: بل أراد أن يجعل لهم حظّاً في الآخرة؛ إذ يقولون: أراد لهم الإيمان، وبالإيمان يكون لهم الحظ في الآخرة، فثبت بالآية أنه لم يكن أراد لهم الإيمان، والآية في قوم خاص علم الله - تعالى - أنه لا يؤمنون أبداً؛ فأراد ألا يجعل لهم حظّاً في الآخرة، ولو كان على ما تقوله المعتزلة؛ بأنه أراد أن يجعل لهم حظّاً في الآخرة - لما أراد لهم أن يؤمنوا، ولكن لم يؤمنوا لكان حاصل قولهم: أراد الله ألا يجعل لمن أراد يؤمن في الآخرة، وذلك جور عندهم، وبالله التوفيق.

وقوله - عز وجل -: { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }:

وذكر مرة: { أَلِيمٌ } [آل عمران: 177] ومرة:شَدِيدٌ } [آل عمران: 4]؛ لأن التعذيب بالنار أشد العذاب في الشاهد وأعظمه؛ لذلك أوعد بها في الغائب، وجعل شرابهم وطعامهم ولباسهم منها، فنعوذ بالله من ذلك.

السابقالتالي
2 3 4