الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } * { فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَانَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } * { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

قوله - عز وجل -: { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ }:

قيل: أجابوا الله - عز وجل - والرسول صلى الله عليه وسلم إلى ما دعاهم إليه، وأطاعوا فيما أمرهم به من بعد ما أصابهم القرح،، أي: الجراحة.

قيل: دعاهم إلى بدر الصغرى بعد ما أصابهم بأحد القروح والجراحات؛ فأجابوه، فذلك قوله - تعالى -: { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ... } الآية.

وقوله - عز وجل -: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ }:

في الإجابة له بعدما أصابتهم الجراحة، وشهدوا القتال معه.

{ وَٱتَّقَواْ }:

الخلاف له، وترك الإجابة، ويحتمل: اتقوا النار وعقوبته.

{ أَجْرٌ عَظِيمٌ }:

في الحنة وثواب جزيل، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ... } الآية:

قيل: إن المنافقين قالوا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما انهزم كفار مكة وولوا أدبرهم: { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } ، يخوفونهم؛ حتى لا يتبعوهم على أثرهم، فذلك عادتهم لم تزل؛ كقوله - تعالى -:مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } [التوبة: 47] أي: فساداً.

وقيل: إنه إنما قال ذلك لهم رجل يقال لهم: نعيم بن مسعود، ولا ندري كيف كانت القصة؟.

وقوله - عز وجل -: { فَزَادَهُمْ إِيمَاناً }:

لما وجدوا الأمر على ما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعد لهم، لا على ما قال أولئك؛ فزادهم ذلك إيماناً، أي: تصديقاً.

زادهم: قيل: جراءة وقوة وصلابة على ما كانوا من قبل في الحرب والقتال، ويحتمل: زادهم ذلك في أيمانهم قوة وصلابة وتصديقاً.

وقيل: قوله - عز وجل -: { فَزَادَهُمْ إِيمَاناً } ، أي: تصديقاً ويقيناً بجرأتهم على عدوهم، ويقينهم بربهم، واستجابتهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم.

فإن قال قائل: ما معنى قوله - سبحانه وتعالى -: { فَزَادَهُمْ إِيمَاناً } على أثر قوله - عز وجل -: { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً } ، وقول ذلك قول لا يحتمل أن يزيد الإيمان، وليس كقوله - عز وجل -:وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً } [الأنفال: 2]؛ لأنها حجج، والحجج تزيد التصديق، أو تحدث، أو تدعوا إلى الثبات على ذلك؛ فيزيد الإيمان؛ فقولهم: اخشوهم، كيف يزيد؟ قيل: يخرج ذلك - والله أعلم - على وجوه:

أحدها: أنهم إذا علموا أنهم أهل النفاق، وأنهم يخوفون بذلك، وقد كان وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بصنيعهم، فكذبوهم بذلك، وأقبلوا نحو أمر رسول الله صلى الله عليه سلم إجابة لأمره؛ وتصديقاً بوعده، ومجانبة لاغترارهم بأخبار أعدائه والنزول على قولهم؛ فكان ذلك منهم - عند ذلك - زائداً في إيمانهم مع ما في تكذيبهم؛ ذلك نحو قوله - عز وجل:

السابقالتالي
2 3