الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ }

قوله - عزّ وجلّ -: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى } الآية.

اختلف في قوله - تعالى-: { كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، قال بعضهم: نهى المؤمنين أن يكونوا كالذين كفروا في السرّ والعلانية.

{ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ } ، يعني: المنافقين، { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ }.

وقيل: لا تكونوا كالمنافقين قالوا لإخوانهم - يعني: لبعضهم -: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا.

وقيل: قالوا لإخوانهم، يعني: المؤمنين الذين تولوا، وهم كانوا إخوانهم في النسب، وإن لم يكونوا إخوانهم في الدين والمذهب.

لا حاجة لنا إلى معرفة قائله من كان، ولكن المعنى ألا يقولوا مثل قولهم لمن قتل.

وقوله: { إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ } ، يعني: إذا ضربوا في الأرض تجاراً أو " غزى " ، أي: غزاة.

وقيل: قوله: { إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أو كانوا غزاة على إسقاط الألف.

وقوله - عزّ وجل -: { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ }:

أي: ليجعل الله ذلك القول الذي قالوا حسرة يتردد في أجوافهم.

ويحتمل قوله: { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً } يوم القيامة؛ كقوله:أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ } [البقرة: 167].

وقوله - عز وجل -: { وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ }.

أي: والله يحيي من ضرب في الأرض وغزا، ويميت من أقام ولم يخرج غازياً، أي: لا يتقدم الموت بالخروج في الغزو، ولا يتأخر بالمقام وترك الخروج، دعاهم إلى التسليم، إنما هي أنفاس معدودة، وأرزاق مقسومة، وآجال مضروبة، ما لم يفناها واستوفاها وانقضى أجلها: لا يأتيها.

{ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }: وعيد.

وقوله - عز وجل -: { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ }:

أي أن الموت إن كان لا بدّ نازل بكم؛ فقتلكم أو موتكم في طاعة الله وجهاده خير من أن ينزل بكم في غير طاعة الله وسبيله.

{ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }: من الأموال.

{ وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ }:

أي: إن متم على فراشكم، أو قتلتم في سبيل الله - فإليه تحشرون، فمعناه - والله أعلم - أي: إن لم تقدروا على أن لم تحشروا إليه، كيف تقدرون ألا ينزل على فراشكم بكم الموت، وإن أقمتم في بيوتكم؛! والله أعلم.