قوله: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ }: يحتمل الطاعة لهم: طاعة الدين، أي: يطيعونهم في كفرهم. ويحتمل: الطاعة لهم في ترك الجهاد مع عدوهم؛ كقوله:{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً } الآية [آل عمران: 156] الآية، وقوله: { يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ }. قد ذكرنا، أي: يردوكم على دينكم الأول، وهو على التمثيل والكناية، والله أعلم. وقوله: { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ }: أي: أولى بكم، أو ناصركم، أو حافظكم، أو وليكم. { وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّاصِرِينَ }: أي: خير من ينصر من نصره؛ فلا يغلب، كقوله:{ إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } [آل عمران: 160]. وقوله: { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } الآية: هذه بشارة من الله - عز وجل - لرسوله صلى اله عليه وسلم بالنصر له؛ حيث أخبر أنه يلقي في قلوبهم الرعب، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرَيْنِ " ، وكان ما ذكر؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتيهم بعد ذلك ويقصدهم، لا أنهم أتوه، وكانوا قبل ذلك يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقصدونه. [وقوله:] { بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً }: أي: بالشرك ما قذف في قلوبهم من الرعب، من غير أن كان لهم بما أشركوا حجة أو كتاب أو برهان أو عذر؛ قال ابن عباس - رضي الله عنه -: " السلطان في القرآن حجة ". وقوله: { وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ }: أي: مقامهم في النار. { وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ }: أي: النار بئس مقام الظالمين: وقوله: { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ }. أي: أنجز الله وعده؛ حيث أخبر أنه يلقي في قلوبهم الرعب، وقد فعل. { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ }: قال أهل التفسير: إذ تضلونهم. وقوله: { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ }: هو على التقديم والتأخير: " حتى إذا تنازعتم [و] فشلتم "؛ إذ التنازع هو سبب الفشل [والجبن]؛ كقوله:{ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ } [الأنفال: 46]. [وقوله - عز وجلّ -: { وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ }. قيل: في القصّة: إن نفراً من رماة أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكونوا في مكان، وألا يدعو موقفهم، فتركوه ووقعوا في غنائمه؛ فعوقبوا على ذلك. وقوله - عز وجل -: { مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } ،] يحتمل: ما أراكم ما تحبون من الهزيمة والغنيمة. ويحتمل: ما أراكم من النصر لكم على عدوكم، وإنجاز الوعد لكم. وقوله: - عز وجل - { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ }: روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: " ما كنا نعرف [أن] أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا، حتى نزل قوله: { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا }.