الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }

قوله: - عز وجل - { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ }.

يحتمل أن يكون هذا موصولا بقوله - عز وجل -:لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً } [آل عمران: 130] أي: لا تأخذوا الربا أضعافا مضاعفة فتكثروا أموالكم، وحقيقته: وسارعوا إلى ما فيه وعد المغفرة من ربكم: بالإجابة له إلى ما دعا، والقيام به بحق الوفاء.

وقوله: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في استحلال الربا؛ لأن من استحل محرما فقد كفر، وحقيقته: اتقوا ما أوعدكم ربكم عليه النار.

وأصل الطاعة: الائتمار بأمر المطاع في كل أمر، فمن أطاع الله فيما أمر، وأطاع رسوله - رحمه ربه، وفي الطاعة رحمة الخلق؛ على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ [حَتَّى] تَرَاحَمُوا؛ قَالُوا: كُلُّنَا نَرْحَمُ يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَالَ: لَيْسَ رَحْمَةَ الرَّجُلِ وَلَدَهُ؛ وَلَكِنَّهُ رَحْمَةٌ عَامَّةٌ ".

قوله: { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ } في تحريم الربا، وأطيعوا الرسول: في تبليغه إليكم تحريم الربا والنهي عن أخذه.

{ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }: أي: ارحموا الناس وترحموهم في ترك أخذ الربا، ترحمون أنتم، وتنجون من النار ومن عذاب الله.

ثم قال: { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ }.

أي: بادروا بالتوبة والرجوع عن استحلال الربا والترك عن أخذه، والمغفرة هي فعل الله، لكنه - والله أعلم - كأنه قال: بادروا إلى الأسباب التي بها تستوجبون المغفرة من ربكم، والمغفرة: هي الستر في اللغة.

ثم يحتمل وجهين:

يحتمل: ألا يهتك أستاركم في الآخرة إذا تبتم.

ويحتمل: أن ينسى عليكم سيئاتكم في الجنة؛ لأن ذكر المساوئ في الجنة تنقص عليهم نعمه، فأخبر - عزّ وجلّ - أنّه ينسيهم مساوئهم في الجنة؛ لئلا ينقص ذلك عليهم، والله أعلم.

وقوله: - عز وجل -: { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ }:

وبادروا - أيضاً - بالتوبة عن استحلال الربا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فمعنى ضرب مثل الجنة بضرب السماوات والأرض، وذلك - والله أعلم - ذكر هو أن للسماوات والأرض أحوالاً ليست تلك الأحوال لغيرها من الخلائق؛ بقوله - عز وجل -:لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [غافر: 57]؛ وذلك أنهما عندهم من أشد الخلائق وأقواها، فقال: إن الذي قدر على اتخاذ ما هو أشدّ وأقوى وأصلب - لقادر على إنشاء ما هو دونه، وهو هذا العالم الصغير.

ووصف - أيضاً - السّماوات والأرض بالغلظ والكثافة والشدة؛ لقوله - عز وجل -:سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } [البقرة: 29]شِدَاداً } [النبأ: 12] وغلاظاً، ثم أخبر - عز وجل - أنها مع غلظها وكثافتها تكاد أن تنشق لعظيم ما قالوا بأن لله ولداً وشريكاً بقوله:تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً }

السابقالتالي
2 3