الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

قوله: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً }.

قوله: { لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ } - كقوله:وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ } [البقرة: 278] ففيه نهي عن الأخذ، كقوله:وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ } [النساء: 161]؛ فعلى ذلك قوله: { لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ } ، أي: لا تأخذوا.

وقوله: { أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً }.

فإن قيل: ما معنى النهي عن المضاعفة وغير المضاعفة حرام؟! لكنه يحتمل هذا وجوهاً:

يحتمل: أن يكون هذا قبل تحريم الربا، فنهوا عن أخذ المضاعفة.

ويحتمل قوله: { لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ }: أي: لا تكثروا أموالكم بأخذ المضاعفة.

ويحتمل: { أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً } ، أي: لا تصرّوا على استحلال الرّبا فتثبتون عليه آخر الأبد.

ويحتمل: { أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً }: تضعيف العذاب.

ويحتمل ما قيل: كان أحدهم يبايع الرجل إلى أجل، فإذا حل الأجل زاد في الربح، وزاد الآخر في الأجل، وذلك كان ربا الجاهلية.

قال الشيخ - رحمه الله - في قوله: { لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ }.

يحتمل الأكل؛ لأنه نهاية كل كسب.

ويحتمل الأخذ؛ كقوله:وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ } [النساء: 161] وقوله:وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ } [البقرة: 278]، وقوله: { أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً }: في الأخذ، أي: لا تأخذوا لتُكَثِّروا أموالكم، أو تقصدوا بذلك تضاعف أموالكم إلى غير حد؛ وليس فيه أن القليل ليس بمحرم، لكن ذلك هو مقصود أكله؛ فنهوا عن ذلك، وحرمة القليل بغير ذلك من ليُكَثِّروا أن يكون في نازلة عليها، خرج النهي لا على الإذن بدون ذلك، ولو كان على حقيقة الأكل فهو على النهي عن التوسع بالربا أو بالأمر بالعود إلى ما لا ربا فيه، وإن كان في ذلك ضيق، والله أعلم.

ويحتمل أن يكون في الآية إضمار؛ فيقول: لا تأكلوا الربا؛ لأنكم إن أكلتموه بعد العلم بالتحريم - تضاعفت عليكم المآثم والعقوبات، وقد جعل الله للربا أعلاماً دلت على ما غلظ شأنها؛ نحو ما وصف من لا يتقيه لا ينفيه بالخروج بحرب الله وحرب رسوله صلى الله عليه وسلم وبالتخبط يوم القيامة، وانتفاخ البطن وما جرى في معاقبة اليهود، وبتحريم أشياء لمكان ذلك، وقوم شعيب ما حل بهم بلزومهم بتعاطي الربا، والله أعلم، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ولا تأخذوا الربا ولا تستحلوه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

وقوله: { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }.

فيه دلالة أنها إنما أعدت للكافرين، لم تعدَّ لغيرهم، فذلك يرد على المعتزلة؛ حيث خلدوا صاحب الكبيرة في النار، والله - تعالى - يقول: إنها أعدت للكافرين، وهم يقولون: ولغير الكافرين.

قال الشيخ - رحمه الله - في قوله: { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }:

يحتمل: للذين اتقوا الشرك؛ كقوله:هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 2].

ويحتمل: للذين اتقوا جميع أنواع المعاصي: فإن كان التأويل هو الأول - فكل من لم يستحق بفعله اسم الكفر - فهو في الآية؛ إذ قال في النار: { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } ، لم يجز أن تكون هي أبداً لغيرهم؛ لوجهين:

أحدهما: إذ لا يجوز أن تكون الجنة المتخذة للمؤمنين تكون لغيرهم؛ فكذلك النار المعدة للكافرين، وهذا أولى بجواز القول في إيجاب الجنة لمن لا يكون منه الإيمان؛ نحو الذرية، وفساد القول فيهم بالنار، والله أعلم.

السابقالتالي
2