الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } * { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ }

قوله: { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ }.

يذكرهم - عز وجل - ألا يتكلوا إلى أنفسهم لكثرتهم ولقوتهم ولعدّتهم، ولا يثقوا بأحد سواه، بل على الله يتوكلون، وإليه يكلون، وبه يثقون؛ لأنه أخبر أنهم كانوا أذلة ضعفاء فنصرهم، وأمدّ لهم بالملائكة حتى قهر عدوهم - مع ضعفهم، وقلة عددهم - يوم بدر. ويوم أحد: كانوا أقوياء كثيري العدد؛ فوكلوا إلى أنفسهم، فكانت الهزيمة عليهم.

وقوله: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ }.

يعني: اتقوا معاصيه

{ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.

فيه دلالة أن الشكر إنما يكون في طاعته، واتقاء معاصيه، وأن المحنة إنما تكون في الشكر لما أنعم عليه، والتكفير لما سبق منه من الجفاء والغفلة، والله أعلم.

وقوله: { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } ،

وذكر في سورة الأنفال:بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } [الأنفال: 9].

فاختلف فيه:

قيل: كانوا عشرة آلاف؛ لأنه ذكر مرة:

ثلاثة آلاف، ومرة:

خمسة آلاف.

ومرة: ألفاً - مردفين؛ فيكون ألفان، فذلك عشرة آلاف.

وقيل: كانوا تسعة آلاف: ثلاثة آلاف وخمسة آلاف، وألف.

وقيل: كانوا كلهم خمسة آلاف: ثلاثة آلاف؛ وألفان مدد لهم.

ثم اختلف فيه:

قال بعضهم: كان يوم أحد.

وقال آخرون: يوم بدر.

وقوله:فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } [الأنفال: 9] يوم بدر، ولا ندري كيف كانت القصة؟ وليس لنا إلى معرفة القصة حاجة؛ سوى أن فيه بشارة للمؤمنين بالنصر لهم، والمعونة بقوله: { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ } جعل في ذلك تسكين قلوب المسلمين.

ثم اختلف في " قتال الملائكة ": قال بعضهم: قاتل الملائكة الكفار.

وقال آخرون: لم يقاتلوا، ولكن جاءوا بتسكين قلوبهم ما ذكر في الآية، ولا يحتمل القتال؛ لأنه ذكر في الآية:وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ } [الأنفال: 44]، ولو كانوا يقاتلون لم يكن لما يقلل معنى؛ ولأن الواحد منهم كاف لجميع المشركين، ألا ترى أن جبريل - عليه السلام - كيف رفع قريات لوط إلى السماء فقلبها؟! فدلّ لما ذكرنا، والله أعلم.

وقيل: قاتلوا يوم بدر، ولم يقاتلوا يوم أحد.

فلا ندري كيف كان الأمر؟.

وقوله: { مُسَوِّمِينَ }:

قيل: " منزلين "؛ " ومسوّمين " سواء، وهو من الإرسال؛ ومن التسويم.

وقيل: معلمين بعلامة، وذلك - والله أعلم - لِيُعْلِمَ المؤمنين حاجتهم إلى العلامة، [لا أن] الملائكة يحتاجون إلى العلامة؛ وكذلك روي عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه يوم بدر: " تَسَوَّمُوا؛ فإنَّ المَلائِكةَ قَدْ تَسَوَّمَتْ ".

وقوله: { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ }.

ليعلم أنّ في النصر لطفاً من الله لا يوصل إليه شيء من خلقه؛ لأنه نفاه عنهم مع مدد الملائكة؛ ليعلم أن كل منصور على آخر - إنما كان ذلك من الله - عز وجل.

السابقالتالي
2 3