الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } * { هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ }:

اختلف فيه:

قيل: نهى الله المؤمنين أن يستخدلوا المنافقين، أو يؤاخوهم، أو يتولوهم دون المؤمنين.

وقيل في حرف حفصة: " لا تتخذوا بطانة من دون أنفسكم " ، يعني: من دون المؤمنين.

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: " نهى الله المؤمنين أن يتخذوا اليهود [والنصارى] والمنافقين - بطانة دون إخوانهم من المؤمنين، فيحدثونهم ويفشوا إليهم سرّهم دون المؤمنين ".

والبطانة: قيل: هم الإخوان، ويجعلونهم موضع إفشاء سرّهم.

قال الشيخ - رحمه الله -: والنهي عن اتخاذ الكافر بطانة لوجهين:

أحدهما: العرف به؛ إذ كل يعرف بمن يصحبه.

والثاني: الميل إليه بما يريه عدوه أنه حسن العشرة وحسن الصحبة، مع ما فيه الإسقاط عما به يستعان على أمر الدين، والإغفال عن حقه.

وقوله: { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً }: يقولون: لا يتركون عهدهم في إفشاء أمركم.

وقوله: { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ }: أي: يودون ويتمنون ما أثمتم.

قال الشيخ - رحمه الله -: أي: ودوا أن تشاركوهم في أشياء تؤثمكم ويبعثكم عليه.

وقيل: العنت: الضيق؛ أي: ذلك قصدهم؛ كالآية التي تتلوها. وقوله: { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ }:

من قال: إن أول الآية في المنافقين يقول: قوله: { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } ما ذكر في آية أخرى:وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } [محمد: 30] أنهم كانوا يعرفون المنافق من لحن كلامه.

قال الشيخ - رحمه الله - في قوله: { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ }: ما كان من التفريق بقوله:إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ } [آل عمران: 173]، وإظهار السرور بنكبتهم، كقوله:وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ... } الآية [النساء: 72].

وقوله: { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ }: وذلك أنهم كانوا يظهرون الموافقة لهم، ويضمرون العداوة والخلاف لهم، والسعي في هلاكهم فما كانوا يضمرون أكثر ما [كانوا] يظهرون.

ومن قال بأن الآية في الكفار - فهو ظاهر.

وقوله: { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ }: من الشتيمة والعداوة، ويضمرون أكثر من ذلك من الفساد والشرور، والله أعلم.

وقوله: { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُون }:

يحتمل قوله: { إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُون } البينات، ويحتمل قوله: إن كنتم تنتفعون بعقولكم؛ لأن - عز وجل - ذكر في غير أي من القرآن أنهم لا يعقلون، قد كان لهم عقول لكنهم لم ينتفعوا بعقولهم، فإذا لم ينتفعوا نفي عنهم العقل رأساً.

وقوله: { هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ }: من قال: إن أول الآية في المنافقين فهذا يدل له ويشهد؛ لأنه قال: { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا... } الآية. يقول: ها أنتم يا هؤلاء المسلمون تحبونهم - يعني: المنافقين - ولا يحبونكم على دينكم.

قال الشيخ - رحمه الله -: وفي الآية بيان أن أولئك قوم يحبهم المؤمنون، إمّا بظاهر الإيمان أو بظاهر الحال، منهم من طلب مودتهم، فأطلع الله المؤمنين على سرّهم؛ لئلا يغترُّوا بظاهرهم، وليكون حجة لهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم بما أطلعه الله على ما أسرّوا، والله أعلم.

السابقالتالي
2