الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

قوله: { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ }.

وقوله: { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ }.

يحتمل أن يكون هذا خبراً في الحقيقة، وإن كان في الظاهر أمراً؛ فإن كان خبراً ففيه دلالة أن جماعة منهم إذا قاموا على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر - سقط ذلك عن الآخرين؛ لأنه ذكر فيه حرف التبعيض، وهو قوله: { مِّنْكُمْ أُمَّةٌ... } الآية.

ويحتمل أن يكون على الأمر في الظاهر والحقيقة جميعاً، ويكون قوله: { مِّنْكُمْ } - صلة، فإن كان على هذا ففيه أن على [كل] أحد أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، وذلك واجب؛ كأنه قال: كونوا أمّة { وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } الآية؛ لأنه ذكر - جل وعز - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في آي كثيرة من كتابه، منها هذا: { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ... } الآية، ومنها قوله: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } ، وذمّ من تركهما بقوله:كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [المائدة: 79].

ورُوي عن عكرمة أن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال له: " قد أعياني أن أعلم ما يفعل بمن أمسك عن الوعظ، فقلت: أنا أعلمك ذلك، اقرأ الآية الثانية:أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ... } [الأعراف: 165]، فقال لي: أصبت.

فاستدل ابن عباس - رضي الله عنه - بهذه الآية على أنّ الله أهلك من عمل السوء، ومن لم ينه عنه من يعمله، فجعل - والله أعلم - الممسكين عن نهي الظالمين مع الظالمين في العذاب.

وقد رُوي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: " يا أيها الناس، إنكم تقرءون هذه الآية:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } [المائدة: 105] وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ، فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدِهِ - أَو شَكَ أَنْ يَعُمَّهُم اللهُ بِعِقَابٍ ".

وعن جرير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ فِي القَوْمِ، وَيَعْمَلُ فِيهِمْ بِمَعَاصِي الرَّحْمَنِ، وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ وَأَعَزُّ، وَلَوْ شَاءُوا أَنْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدِهِ لأَخَذُوا عَلَى يَدِهِ؛ فَيَرْهَبُوا لَهُ؛ فَيُعَذِّبُهُمُ اللهُ بِهِ ".

وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوْنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيَعُمَّكُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُونَهُ ولا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ ".

وعن أبي سعيد الخدري يذكر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إِنَّ اللهَ لَيَسْأَلُ العَبْدَ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يَقُولَ: مَا مَنَعَكَ إِذَا رَأَيْتَ مُنْكَراً أَنْ تُنْكِرَهُ؟ فإذَا اللهُ لَقَّنَ عَبْداً حُجَّتَهُ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، وَثِقْتُ بِكَ، وَفَرَقْتُ مِنَ النَّاسِ ".


السابقالتالي
2 3 4