الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

وعلى ذلك قوله: { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ }.

على أن الذي أراكم الرسول صلى الله عليه وسلم ألذّ للعقول، وأروح للأبدان مما وُعِدوه مع سوء المآب، والله أعلم.

وقوله: { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ }:

وهو على وجه التعجب ظاهر، ولكنه على طلب الحجة في كفرهم.

{ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ }.

يدفع عنكم الشبهة التي عرضت لكم بإلقاء الكفار إليكم.

{ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ }:

أي: من جعل الله - عز وجل - ملجأً له، ومفزعاً إليه عند الشبه والإشكال.

{ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }.

أي: يحفظه عن الشبه، ويرشده إلى صراط مستقيم، والله أعلم.

ويحتمل: { وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ }: يتمسك بالذي جاء من القرآن، { فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }.

وقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ }:

رُوي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: " { حَقَّ تُقَاتِهِ }: أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى " ، وأراد: حق تقاته؛ مما يحتمل وسع الخلق.

ورُوي في حرف حفصة: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } أي: اعبدوا الله حق عبادته، وهذا في اعتقاد التوحيد. وروي عن أنس - رضي الله عنه - يقول: " لا يتقي الله أحد حق تقاته حتى يخزن من لسانه، وبعد كلامه من عمله ".

وقيل: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ }: أطيعوا الله حق طاعته.

وقيل: إن هذا نسخها قوله:فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } الآية [التغابن: 16]؛ لكن لا يحتمل أن يأمر الخلق بشيء ليس في وسعهم القيام به، ثم ينسخ ذلك بما يستطاع، ولكن أصله ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِنَّ لله عَلَى عِبَادِهِ حَقّاً، وَلِعِبَادِهِ عَلَيْهِ حَقّاً، وَحَقُّ الله على عَبْدِهِ: أَنْ يَعْبُدَ الله، وَلاَ يُشْرِكَ غَيْرَهُ فِيهِ. وَحَقُّ العَبْدِ عَلَى الله: أَنْ يُدْخِلهُ الجَنَّةَ؛ إِذَا عَبَدَهُ، وَلَمْ يُشْرِكْ غَيْرَهُ فِيهِ أَحَداً " ليكون هذا تأويلاً للآية أن قوله: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ولا تكفروه؛ فيكون فيه الأمر بالإيمان، والنهي عن الكفر؛ لأنه ليس في وسع أحد أن يتقي الله حق تقاته في كل العبادة؛ ألا ترى إلى ما روي من أمر الملائكة مع ما وصفوا من عبادتهم أنهملاَ يَفْتُرُونَ } [الأنبياء: 20] ولاَ يَسْئَمُونَ } [فصلت: 38]، ثم يقولون: ما عبدناك حق عبادتك؟!. وإذا كان أحد لا يبلغ ذلك فلا يحتمل تكليف مثله، وجملته: أن ذلك ليس بذي حدّ وغاية، فلذلك كان - والله أعلم - الأمر فيه راجع إلى الإسلام، أو في نفي حق الإشراك خاصّة، لا في جميع الأحوال والأفعال، دليله ما ختم به الآية، وفي وسع الخلق ألا يشركوا أحداً في عبادته؛ ألا ترى أنه قال: { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ }؟!.

السابقالتالي
2 3