الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ }

قوله: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ }: كأن ما عملوا من الحسنات والصالحات يكفر بها سيئاتهم.

وقوله: { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } هذا يحتمل وجوهاً:

أحدها: أن جزاءهم الذي يجزون بتلك الأعمال أحسن من أعمالهم التي عملوا؛ لأن قدر ذلك الجزاء عندهم أعظم وأحسن من قدر [ما علموا] من أعمالهم؛ إذ ليس لأعمالهم عندهم كبير قيمة وقدر؛ إذ منهم من يحيي ليله بدرهم وبما يسد به حاجتهم في يوم أو ليلة.

والثاني: أن الأعمال التي يعملها المرء تكون على وجوه سيئات تكفر بالتوبة أو بما كان يعاقبون عليها، وحسنات يجزون بها الثواب الجزيل، وإباحات يعملون لحوائج أنفسهم مما لا يعاقبون عليه ولا يثابون، فيقول - والله أعلم -: لنجزينهم أحسن الذي عملوا وهو الحسنات والخيرات عملوها لله.

أو أن يكون قوله: { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أن نكفر سيئاتهم بنوع من الحسنات ويثابون على أحسنها، وهو ما قال: { لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، والله أعلم بذلك.

وقوله: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً }.

وقرئ أيضاً: { إحسانا } قال الزجاج: قوله: { حُسْناً } أجمع وأقرب؛ لأنه يرجع إلى حسن الشيء في نفسه، وإلى حسنه عند ذلك الإنسان؛ يقال: حسن كذا إذا كان في نفسه حسنا، والإحسان: هو ما يحسن عند ذلك المعمول له، أو كلام نحو هذا.

قال الشيخ - رضي الله عنه -: لكن الإحسان هو اسم ما حسن أيضاً في نفسه، يقال: أحسن، فإذا أحسن، فقد حسن، والله أعلم.

وقوله: { وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }: إن كان هذا الخطاب لأهل الإيمان فيكون تأويل الآية: { وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أي: بأن له شريكاً، أي: تعلم بأن ليس له شريك فلا تشرك به؛ وهو كقوله:قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [يونس: 18] أي: يعلم بخلاف ما يقولون؛ فعلى ذلك قوله يحتمل { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } بأن له شريكا، أي: لك العلم بخلافه: بأن ليس له شريك.

وإن كان الخطاب لأهل الكفر يقولون على الله ما ليس لهم به علم.

وقوله: { فَلاَ تُطِعْهُمَآ }: أمر بالبرّ للوالدين والإحسان إليهما والطاعة لهما ما لم يكن في طاعتهما معصية الربّ؛ ليعلم أن ليس يجب طاعتهما في كل شيء وفي كل ما كان عندهما إحساناً، ولكن فيما كان في ذلك طاعة الخالق.

وقوله: { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }: وعيد لتكونوا أبداً على حذر في أعمالكم لا تعملون بما فيه معصية الرب.

وقوله: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ }: كأنه قال: والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولهم سيئات، لنكفرن عنهم تلك السيئات بأعمالهم الصالحات، ثم لندخلنهم في الصالحين الذين لا سيئة لهم وهم الأنبياء، إذ أكثر ما ذكر في الكتاب الصالحين إنما أريد بهم الأنبياء - صلوات الله عليهم - وهو ما ذكرنا - والله أعلم - على تكفير السيئات عنهم على ما ذكر فيما تقدم، وهو ما قال: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [العنكبوت: 7].

السابقالتالي
2