الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } * { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله: { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } الآية، على المعتزلة في قولهم: إن على الله الأصلح لهم في الدين؛ لأنه أخبر أنهم أخلصوا الدين لله إذا ركبوا في الفلك، ولا شك أن ذلك أصلح في الدين، فلما لم يبقهم على تلك الحال ليكونوا على ذلك الإخلاص؛ بل أخرجهم منها فعادوا إلى ما كانوا فدل ذلك أن ليس عليه حفظ الأصلح لهم في الدين.

وقوله: { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ } قوله: { لِيَكْفُرُواْ } أي: أنجاهم ليكونوا على ما علم منهم أنهم يكونون، وقد علم أنه يكون منهم الكفر، فأنجاهم إلى البر؛ ليكون منهم ما قد علم أنه يكون ويختارون، وكأن إخلاصهم الدعاء في الفلك لم يكن إخلاص اختيار، ولكن إخلاص دفع البلاء عن أنفسهم؛ إذ لو كان ذلك إخلاص اختيار، لا دفع البلاء لكانوا لا يتركون ذلك في الأحوال كلها، فهذه الآية وإن كانت في أهل الكفر، ففي ذلك - أيضاً - توبيخ لأهل الإسلام؛ لأنهم لا يقومون بالشكر لله وإخلاص العبادة له في حال السعة والنعمة كما يكونون في حال الضيق والشدة، فينبههم ليكونوا في الأحوال كلها مخلصين العمل لله شاكرين له؛ لئلا يكون عملهم على حرف وجهة كعمل أهل النفاق، وكعمل أولئك الكفرة، والله أعلم.

وقوله: { فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } قيل: يكذبون.

وقيل: يعدلون.

وقيل: يؤفكون: يؤفنون ويحمقون، والمأفون: الأحمق، والأفن: الحمق.

وقوله: { فَسَوْفَ يَعلَمُونَ } أي: سوف يعلمون صدقي في قولي، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه كما عادوا إلى ما كانوا عليه إذ أنجاهم من الأهوال التي ابتلوا بها؛ أي: سوف يعلمون ما أوعدهم الرسل.

وفي قولهم: { وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ } وجه آخر: وهو أن يقال: ما هذه المحاسن والأعمال [التي] تعملون وتعدون محاسن وصلاحاً في هذه الدنيا إلا لهو ولعب؛ لما لا تبقى ولا تنتفعون بها إلا ما ابتغي بها وجه الله والدار الآخرة، وهو ما قال: { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ } أي: هي الباقية الدائمة { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُون }.

وقوله: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً } قد ذكرنا في غير موضع: أن الاستفهام من الله يخرج مخرج الإلزام والإيجاب، أو يخرج مخرج الخبر، لا على حقيقة الاستفهام؛ لأنه عالم بذاته، يعلم ما في باطنهم وظاهرهم، وما يسرون وما يعلنون، بما كان ويكون، لا يستفهم عباده شيئاً، ولكنه يخرج على ما ذكرنا على الخبر، أو على الإلزام والإيجاب؛ فالخبر كأنه يقول: قد رأوا وعلموا أن الله جعل الحرم مأمناً لهم يأمنون فيه، وكان الناس حولهم يتخطفون ويخافون، والإلزام والإيجاب أن يقول لهم: اعلموا أن الله جعل لكم الحرم مأمناً تأمنون فيه والناس من حولكم على خوف يسلبون ويُسْبَوْنَ ويقتلون.

السابقالتالي
2 3