الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

قوله: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } إنهم أعطوا جميعاً بألسنتهم: أن الذي خلق السماوات والأرض، وما سخر لهم من الشمس والقمر، وما نزل من السماء من الماء، وما أحيا به الأرض - هو الله لا غيره، فيخرج قوله: { فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } على أثر ما أعطوا بألسنتهم ونطقوا به على وجهين:

أحدهما: أَنَّي يصرفون عما أعطوا بألسنتهم ونطقوا به إلى صرف الشكر والعبادة إلى الأصنام التي يعلمون أنها لم تخلق شيئاً مما أعطوا بألسنتهم.

والثاني: { فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أي: في تسميتهم الأصنام: آلهة على علم منهم أنها ليست بآلهة، والله أعلم.

وقوله: { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } على أثر ما ذكر يخرج على وجوه:

أحدها: أمره أن يحمد ربه فيما لم يبل بما بلي به أولئك من التكذيب والعناد والكفر بربهم.

والثاني: أمره أن يحمد ربّه؛ لما في ذلك إظهار سفههم؛ حيث أعطوا باللسان أن ذلك كله من الله، والله خالق ذلك كله، ثم صرفوا ذلك إلى غيره.

والثالث: يقول بعضهم: { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } على إقرارهم بذلك أنه خلق لله، وأن ذلك كله منه، والله أعلم.

وقوله: { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } يحتمل قوله: { لاَ يَعْقِلُونَ } أي: لا ينتفعون بعقولهم؛ نفى عنهم العقول؛ لما لم ينتفعوا بها، كما نفى عنهم السمع والبصر واللسان لما لم ينتفعوا بتلك الحواس؛ فعلى ذلك هذا.

والثاني: لم يعقلوا لما تركوا النظر والتفكر في الأسباب التي بها تعقل الأشياء، والله أعلم.

وقوله: { وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ } وقوله:ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } [الحديد: 20] لو كان الأمر على ظاهر ما نطق به الكتاب دون معان تودع فيه وحكمة تجعل فيه على ما يحمله بعض الناس - لكان لأهل الإلحاد في ذلك مطعن؛ لأنه يقول: ما الحياة إلا لهو ولعب وهو خلقها، فيقولون: لِمَ خلقها لهواً ولعباً وهو خلقها؟ ولهم دعوى التناقض فيه؛ حيث قال:وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً } [ص: 27] وقال في آية أخرى:وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } [الأنبياء: 16] فلو جمع بين هذا وبين الأول فهو في الظاهر متناقض؛ إن يذكر في بعضها: أنه لم يخلقهما وما بينهما باطلا لعباً، ويذكر في بعضها: أن الحياة الدنيا لهو ولعب، وهو خلقها.

لكن تأويل قوله: { وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ } على ما تقدرون أنتم وعلى ما عندكم { إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ } ، فأما عند أهل التوحيد وما في تقديرهم فهي حكمة وحق.

ثم ما ذكر من اللهو واللعب عندهم يخرج على وجهين:

أحدهما: أنهم رأوا أنه خلق الإنسان وجعل بدأه من نطفة، ثم حولها إلى علقة، ثم إلى مضغة، ثم إلى الإنسان الذي صور.

السابقالتالي
2