الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلْكَافِرونَ } * { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلظَّالِمُونَ }

قوله: { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } الآية تخرج على وجوه ثلاثة:

أحدها: { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } إلا الذين ظلموا منهم فلا تجادلوهم بالتي هي أحسن ولا غيره، وهم الذين لا يقبلون الحجة، ولا يؤمنون إذا لزمتهم الحجة، وهم أهل عناد ومكابرة، والأوّلون يقبلون الحجة، ويؤمنون بها.

والثاني: { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }؛ فقوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } ليس على الثنيا من الأوّل، ولكن على الابتداء؛ كأنه قال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } قولوا: { آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا... } إلى آخر ما ذكر؛ أي: قولوا لهم هذا، ولا تجادلوهم؛ فإنكم وإن جادلتم إياهم فلا يؤمنون، وهو كقوله:لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي } [البقرة: 150] قوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } ليس على الثنيا من الأول، ولكن ابتداء نهي؛ أي: لا تخشوهم واخشوني، فعلى ذلك يحتمل الأول مثله.

والثالث: جائز أن يكون قوله: { وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ... } إلى آخر ما ذكر: هي المجادلة الحسنة التي أمروا بها؛ لأن تلك مما يقبلها العقل والطبع، وبها جاءت الكتب والرسل، فلا سبيل إلى ردّ ذلك.

وقال بعضهم: { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي: جادلوا الذين يصدّقون منهم ولا يكتمون نعت محمد وما في كتبهم من الحق، فأمّا الذين تعلمون أنهم يكتمون ولا يصدّقون فلا تجادلوهم، وهو كقوله:فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } [النحل: 43] والأوّل كقوله:تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ... } الآية [آل عمران: 64]، والمجادلة الحسنة هي التي جاء بها الكتاب ويوجبها العقل.

ثم فيه دلالة جواز المناظرة والمجادلة مع الكفرة في الدين، وكذلك - قوله تعالى -:وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل: 125] ليس كما يقول بعض الناس: إنه لا يجوز معهم المناظرة، وذلك لجهلهم بحجج الإسلام وبراهينه؛ [على] ما ينهون عن المجادلة والمناظرة معهم.

وقال بعضهم: من لا عهد معهم فجادلهم بالسيوف، ومن كان معه عهد وكتاب فجادلهم بالحجج.

وقال بعضهم: هو منسوخ بقوله:قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ... } الآية [التوبة: 29].

ومنهم من يقول: من أدّى إليكم الجزية فلا تغلظوا له القول وقولا لهم قولا حسناً، ومن لم يؤدّ فاغلظوا لهم وجادلوهم بالسيوف، والله أعلم.

وقوله: { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } أي: كما أخبرناك في الكتاب، فقل لهم، أو جادلهم.

وقوله: { فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } يخرج على وجهين:

أحدهما: الذين آتيناهم الكتاب فيتلونه حق تلاوته، فهم يؤمنون به؛ على ما ذكرنا في آية أخرى:ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ }

السابقالتالي
2 3