الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱرْجُواْ ٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } * { وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ } * { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

قوله: { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } أي: أرسلنا إلى مدين أخاهم شعيباً، ومدين: قال بعضهم: اسم رجل نسبوا إليه.

وقال بعضهم: اسم موضع، وقد ذكرناه فيما تقدم.

وقوله: { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ }: أن الرسل - صلوات الله عليهم - قد خوفوا الكفرة بعذاب ينزل بهم في الآخرة بتكذيبهم إياهم وعنادهم، فلم ينجع ذلك فيهم، ولم يرتدعوا عما هم فيه، حتى أوعدوهم بعذاب ينزل بهم في الدنيا، فلم ينجع ذلك ولم يمتنعوا عن ذلك، حتى أوعدوهم بنزول ما قد شاهدوا وعاينوا من آثار من قد أهلكهم بتكذيبهم الرسل وردهم إجابتهم، وهو ما قال: { وَعَاداً وَثَمُودَاْ } أي: أهلكنا عاداً وثمود { وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ } أي: قد تبين لكم من مساكنهم ما تعرفون أنهم إنما أهلكوا بالذي أنتم عليه، وهو التكذيب، والردّ بأخبار تصدّقونها، وبآثار تشاهدونها، وهو كما قال:وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [الصافات: 137-138] والله أعلم.

وقوله: { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي: زين لهم الشيطان أعمالهم كما زين لكم، وصدّهم عن السبيل كما صدكم.

{ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } اختلف فيه:

قال بعضهم: أي: وكانوا يحسبون أنهم على هدى وحق.

وقال بعضهم: { وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } أي: كانوا عالمين بأن العذاب ينزل بهم بما شاهدوا وعاينوا من آثار من تقدمهم، وعلمهم بأنهم إنما أهلكوا بالذي هم عليه، لكنهم عاندوا.

وقال بعضهم: { وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ }: أي هالكين في الضلالة.

وقال بعضهم: { وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } أي: كانوا بصراء علماء في أنفسهم، يعرفون الحق من الباطل، ليس كغيرهم من الأمم؛ ألا ترى أنهم قد طلبوا من رسلهم الحجة، والآية على ما يدعون إليه حيث قالوا:يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } [هود: 53] وقال قوم صالح:فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [الشعراء: 154] ونحوه.

وقال قتادة: { مُسْتَبْصِرِينَ } أي: معجبين بضلالتهم.

وقوله: { وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ } أي: أهلكنا قارون وفرعون وهامان بتكذيبهم موسى، فتهلكون أنتم يأهل مكة بتكذيبكم محمداً.

وقوله: { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي: كذبوا بعدما جاءهم موسى بالبينات على نبوته ورسالته كما جاءكم محمد.

وقوله: { فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } جائز أن يكونوا استكبروا، وأبوا أن يخضعوا لموسى.

أو { فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أي: سعوا في الأرض بالفساد تكبراً واستكباراً { وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ } أي: فائتين من عذاب الله.

وقوله: { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً } أي: الحجارة، وهم قوم لوط، وقوم هود أهلكوا بالريح العاصف؛ حيث قال:وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } [الذاريات: 41-42].

قال أبو معاذ: الحاصب عند العرب: الريح التي فيها الزنانير، وهي صغار من الحصى { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ } وهم قوم صالح وقوم شعيب وهؤلاء { وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ } قارون وأصحابه { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا } قوم نوح وفرعون.

السابقالتالي
2