الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

قوله: { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ }.

قوله: { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } إلا كذا: ليس في جميع الأوقات وجميع المشاهد، ولكن جائز أن يكون هذا: ما كان جواب قومه في مشهد إلا كذا.

أو أن يكون: فما كان جواب قومه إلا أن قالوا: اقتلوه أو حرقوه.

وإلا لم يحتمل ألا يكون منهم إلا ما ذكر من الجواب قد كان جوابات وأجوبة سواء.

لكن يحتمل ما ذكرنا: أن ما كان جواب قومه في مشهد إلا أن قالوا: اقتلوه أو حرقوه.

أو ما كان آخر جواب قومه إلا قالوا: اقتلوه أو حرقوه، وهو ما ذكرنا في قوله:فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ } [العنكبوت: 29] لا يحتمل أنه لم يكن منهم إلا هذا ولكن ما ذكرنا، والله أعلم.

وقوله: { فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ }: حين ألقوه فيها، { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }: ذكر الآيات في ذلك، فجائز أن يكون ما ذكر في هذه السورة من أولها إلى آخرها - لآيات لمن ذكر.

وجائز أن يكون فيما ذكر هنا خاصة، لكن ليس من شيء إلا وفيه آيات من وجوه: آية الوحدانية، وآية الألوهية، وآية علمه وحكمته وتدبيره وبعثه؛ فهو آيات.

وقوله: { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ذكر الآيات للمؤمنين يحتمل وجهين:

أحدهما: ذكر الآيات لهم؛ لأنهم هم المنتفعون بها دون من كفر.

والثاني: الآيات لهم على المكذبين بها والكافرين، أي: حجة لهم عليهم؛ كقوله:وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } [الأنعام: 83]، والله أعلم.

وقوله: { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ } كذا هو صلة قصة إبراهيم وإليه يرجع، وهو ما تقدم من دعائه إياهم حيث قال:وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ... } الآية [العنكبوت: 16].

وقوله: { وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً } يقول - والله أعلم -: ما اتخذتم من دون الله معبودات سميتموها: آلهة، فهي ليست بآلهة ولا معبود، إنما هي أوثان { مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ، يقول - والله أعلم: هذه الأصنام معبودات واجتماعكم عليها إنما هي مودة حياة الدنيا، لا مودة لها عاقبة أو تدوم، بل تصير العاقبة عداوة وبغضاً، وهو ما ذكر. { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } ، قال بعضهم: يتبرأ بعضهم من بعض، ويكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا؛ كقوله:ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 67].

وقال بعضهم: يتبرأ المتبوع من الأتباع؛ كقوله:رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ } [الأعراف: 38]، وقوله:سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [مريم: 82] ونحوه.

ثم أخبر: أن مأوى الكل النار، وما لهم من ناصر ينصرهم من عذاب الله، أو يدفع عنهم العذاب.

السابقالتالي
2 3