الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } * { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ }: إنهم قد رأوا أن كيف أنشأ الله الخلق في الابتداء، وإن عجزوا عن الأسباب التي خلقهم، ولا احتمل وسعهم ذلك، فعلى ذلك يعيدهم على ما أبدأهم، وإن عجز وسعهم عن احتمال ذلك وإدراكه؛ إذ الأعجوبة في الإعادة ليست بأكثر من الأعجوبة في البداية، بل الأعجوبة في ابتداء الإنشاء أكثر من الإعادة؛ لما الإعادة عندكم أيسر وأهون من الابتداء، فمن قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر.

{ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ }: الابتداء والإعادة جميعاً لا يعجزه شيء؛ إذ هو قادر بذاته.

وقوله: { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ }: كأن الأمر بالسير في الأرض والنظر ليس هو سيراً بالأقدام فيها، ولكن أمر بإرسال الفكر فيها من الخلائق، والنظر في بدء ما فيها من الخلق متقناً محكماً بالتدبير والعلم والحكمة بلا أسباب؛ ليعلموا أن التقدير في ابتداء الإنشاء والإعادة بالخارج عن احتمال وسعهم وقوامهم - خطأ، وأنه الذي قدر على إنشاء الخلق وابتدائه بلا سبب ولا شيء، وإن لم يحتمل وسعهم وبنيتهم وقواهم ذلك؛ فعلى ذلك الإعادة والنشأة الأخرى، وإن كانت خارجة عن احتمال وسعهم وقواهم - قادر عليها.

أو أن يقال: انظروا واعتبروا أن بدء الخلق والنشأة من الحكم العالم الذاتي بلا إعادة ورجوع ليس بحكمة في العقل والحكمة جميعاً؛ لأن في الحكمة والعقل: التفريق بين الولي والعدو، وبين الشاكر والكافر، وبين المطيع والعاصي؛ إذ قد سوى بينهم في الدنيا وأشركهم فيها، حتى جعل للكافر ما للشاكر، و[كذلك] الولي والعدو والمطيع والعاصي؛ فلا بد من الإعادة في دار يفرق بينهم ليخرج بدء إنشائهم وخلقه الخلق على الحكمة والتدبير والعلم لا على السفه والعبث، والله أعلم.

وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }: في النشأة الأولى والآخرة جميعاً لا يعجزه شيء؛ إذ هو قادر بذاته.

وقوله: { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ }: يحتمل هذا في الدنيا: يعذب من يشاء في الدنيا، أي: يمتحنه ويبتليه بالشدة والضيق، ويرحم من يشاء، أي: يمتحنه بالسعة والرخاء؛ فيكون التعذيب كناية عن الشدة والضيق، والرحمة: كناية عن السعة والرخاء؛ وهو كقوله:وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [الأنبياء: 35]؛ فعلى ذلك قوله: { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } أي: ترجعون.

ويحتمل التعذيب في الآخرة والرحمة فيها، أي: يعذب من يشاء في الآخرة من كان في الدنيا أهلا له مستوجباً، ويرحم من يشاء من كان في الدنيا أهلا لها مطيعاً لها.

وقوله: { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } أي: ما أنتم بمعجزين الله في السماء، وعلى قول المعتزلة: يكونون معجزين الله في الأرض على ظاهر مذهبهم؛ لأنهم يقولون: إن الله قد أراد إبقاء الأخيار وأهل الصلاح، ثم يجيء كافر فيقتلهم قبل أجلهم الذي أراد الله إبقاءهم إلى وقت.

السابقالتالي
2