الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } * { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ } * { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } * { وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } * { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله: { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ }: كأنه قال - والله أعلم - يخوّف أهل مكة، ويوعدهم ببغيهم على الله وعلى رسوله بعذاب ينزل بهم؛ كما نزل بقارون ببغيه على موسى وقومه، أي: لم تنفعه قرابته من موسى ولا صلته به؛ لما ذكر أنه كان ابن عمه وكان ختنه: زوج أخته مريم؛ فعلى ذلك يقول - والله أعلم -: لا تنفعكم القرابة التي بينكم وبين رسول الله ولا اتصالكم - به من عذاب الله ومقته في الدنيا، إذا بغيتم عليه وتركتم اتباعه؛ كما لم تنفع القرابة التي بين قارون وموسى من عذاب الله ومقته في الدنيا إذا بغى عليه، وكما لم تنفع أبوة أبي إبراهيم لأبي إبراهيم إذا بغى عليه وترك اتباعه، حيث تبرأ إبراهيم منه وحيث قال:يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } الآية [مريم: 45]، وحيث لم تنفع لامرأة نوح ولوط الزوجية التي كانت بينهما وبين نوح ولوط من نزول العذاب ومقته بهما إذا تركتا اتباعهما وبغتا عليهما؛ فعلى ذلك يأهل مكة لا ينفعكم من عذاب الله ومقته قرابتكم برسول الله - صلوات الله عليه - ووصلتكم به، والله أعلم.

وقوله: { فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ }: اختلف أهل التأويل في بغيه عليهم:

قال بعضهم: هو أن موسى طلب منه زكاة ما آتاه الله من المال، فمنعه وأبى أن يعطيه.

وقال بعضهم: بغيه عليهم هو أن أعطى امرأة جعلا لتقذفه بنفسها، فأراد أن يفضحه على رءوس الأخيار والملأ وأن يرجموه، فدفع الله عنه وبرأه منه.

وقال بعضهم: إنما بغى عليه بكثرة ماله وولده، هذا يشبه أن يكون كأنه افتخر بكثرة ماله في دفع عذاب الله ونقمته؛ كقول أهل مكة:نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً... } الآية [سبأ: 35].

وقال بعضهم: بغى عليه لأن النبوة جعلت في موسى والحبورة في هارون، ولم يجعل لقارون شيء، فاعتزل عن موسى واتبعه ناس كثير، فاعتدى عليه ونحو هذا كثير مما قالوه.

والأشبه أن يكون بغيه الذي ذكر عليه كبغي فرعون وهامان عليه؛ حيث قال:وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَـذَّابٌ } [غافر: 23-24]؛ وكقوله:وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ... } الآية [العنكبوت: 39]، فكان منه ما كان من فرعون وهامان من التكذيب والرد لرسالته، وتسميته: ساحراً كذاباً، فذلك هو البغي عليه.

أو لا يفسر البغي عليه؛ لأنه ذكر البغي ولم يبين ما ذلك البغي، والله أعلم بذلك.

وقال قائلون: بغيه عليه: هو أن زاد في ثيابهم شبرا، فذلك أيضاً لا نعلمه فهو مثل الأول.

وقوله: { وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ }: قال بعضهم: مفاتحه: خزائنه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7