الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } * { وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ } * { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } * { فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ }

قوله: { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }.

قوله: { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ } الذين في زعمكم أنهم شركائي، حيث أشركتموهم في العبادة وتسمية الألوهية، وإلا لم يكن لله شريك فيقول: أين هؤلاء الذين زعمتم أنهم شركائي.

ثم قوله: { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ } إنما يقال لهم لقولهم:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3]، وقولهم:هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18]، فيقول: أين شفاعة من زعمتم أنهم شفعاؤكم عند الله، وأين قربتكم وزلفاكم بعبادتكم إياها حيث زعمتم أن عبادتكم إياها تقربكم إلى الله زلفى؟ أين ذلك لكم منهم؟

وقوله: { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ }: يحتمل قوله: { حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } الذي قال:لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [السجدة: 13].

وجائز أن يكون قوله: { حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } أي: وجب عليهم العذاب؛ كقوله:وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } [النمل: 82] أي: وجب العذاب عليهم؛ وكقوله:وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيهِم بِمَا ظَلَمُواْ } [النمل: 85] أي: وجب العذاب عليهم بما ظلموا ونحوه.

ثم اختلفوا في الذين حق عليهم القول.

فمنهم من يقول: هم رؤساء الكفرة وأئمتهم الذين أضلوا أتباعهم ودعوهم إلى الضلال.

ومنهم من يقول: هم شياطين الجن.

وللفريقين جميعاً في الكتاب ذكر:

قال في أئمتهم:إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ } [البقرة: 166]، وقال:قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا } [الأعراف: 38] وأمثال هذا كثير.

وقال في شياطين الجن:وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف: 36]، وقال:ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ... } الآية [الصافات: 22]، ونحوه كثير أيضاً.

وقوله: { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا }: يقولون: { أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا } يعتذرون: أنه لم يكن منا إليهم إلا الدعاء والإشارة إلى الغواية؛ وهو كقول إبليس اللعين وخطبته يومئذ حيث قال:وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ... } الآية [إبراهيم: 22]؛ فعلى ذلك هؤلاء يقولون: لم يكن منا إليهم سوى الدعاء بلا برهان ولا حجة فاتبعونا؛ فلا تلومونا ولوموا أنفسكم؛ حيث تركتم إجابة الرسل ومعهم براهين وحجج، وأجبتمونا بلا حجة ولا برهان، فأغويناكم كما غوينا، ولو كنا على الهدى لهديناكم، كقوله:لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } [إبراهيم: 21].

وقوله: { تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ }: إنما يتبرءون أنا لم نأمرهم بالعبادة لنا، وإلا كانوا عبدوهم.

ثم إن للمعتزلة أدنى تعلق بهذه الآية؛ لأنهم يقولون: إنما أضافوا الغواية إلى أنفسهم حيث قالوا: { أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا }؛ دل أن الله لا يغوي أحدا.

فيقال لهم: إنا لا نضيف ولا نجيز إضافة الغواية إلى الله فيما يخرج مخرج الذم له، وإنما نضيف فيما يخرج مخرج المدح له والثناء عليه، ثم قد أضاف إبليس الغواية إليه، ولم ينكر عليه حيث قال:رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي }

السابقالتالي
2 3