الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } * { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ }

قوله: { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ } قال أهل التأويل ما ذكرنا: أنه قضى أتمهما أو أكثرهما لكن لا نعلم التأويل الصحيح، فعلى ما ذكروا، وليس في الآية إلا قضاء الأجل؛ فلا يزاد على ذلك إلا بثبت، فإن ثبت ما روي من الخبر، فهو والله أعلم.

وقوله: { وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } { آنَسَ }: قيلِ: أبصر وأحسّ ناراً.

قال بعضهم: إن موسى لم يكن رأى ناراً، ولكن إنما رأى نوراً ظن أنه نار، فلا يحتمل ذلك؛ لأنه أخبر أنه آنس ناراً، وإن لم يكن في الحقيقة ناراً لم يجز، وكان ذلك يوجب الكذب في الخبر، إلا أن يقال على الإضمار: آنس من جانب الطور نوراً ظن أنه نار، أو في ظنه أنه نار.

{ قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ } أي: امكثوا لعلي آتيكم منها بخبر يدلنا أو بجذوة تضيء الطريق؛ فكأنه قد ضل الطريق فيقول: لعلي آتيكم منها بخبر الطريق أو جذوة من النار، أي: آتيكم بجذوة من النار، وهي ما رغبتم فيه ولم آتكم بخبر الطريق { لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } هذا يدل أنه كان في أيام الشتاء، وفي وقت البرد: { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ } قال بعضهم: الأيمن: أي: عن يمين الجبل.

وقال بعضهم: عن يمين موسى.

وقال بعضهم: يمين الشجرة، ولكن الأيمن، المبارك، وهو من اليمن، الوادي اليمن.

والبقعة المباركة: قال بعض أهل التأويل: سميت مباركة؛ لكثرة أشجارها وأنزالها، وكثرة مياهها وعشبها، ولكن سماه: مباركاً وأيمن - والله أعلم - لأنه مكان الأنبياء والرسل وموضع الوحي.

وقوله: { مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ولله أن يسمع ويخبر من شاء مما شاء وكيف شاء كما أسمع مريم من تحتها حيث قال:فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي } [مريم: 24].

وقوله: { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } ليس هذا بموصول بقوله: { إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ولكن ذلك ما ذكر في سورة طه:إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ.... } [طه: 12] إلى آخر ما ذكر.

ثم قال في آخره: { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ } أي: تتحرك { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } قال بعضهم: الجانّ: الحية الصغيرة.

وقال بعضهم: الجانّ ما يعم العظيمة والصغيرة، والله أعلم.

وقوله: { وَلَّىٰ مُدْبِراً } فارّاً هارباً { وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي: لم يلتفت ولم يرجع لشدة خوفه وفرقه.

وقوله: { يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ }.

قوله: { وَلاَ تَخَفْ } يحتمل وجوهاً:

أحدها: على رفع الخوف من قلبه؛ إذ قال: له الأمن فيه.

والثاني: على البشارة أنه لا يؤذيه؛ كأنه يقول: لا تخف وكن من الآمنين، فإنه لا يؤذيك.

السابقالتالي
2 3