الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } * { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } * { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } * { قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } * { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }

قوله: { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ }: قال بعضهم: أخذ طريقاً إذا سلك ذلك الطريق وأخذ فيه خرج تلقاء مدين، أو وقع تلقاء المكان المقصود إليه.

وقوله: { قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } أي: الطريق الذي كان يقصده ويطلبه وهو طريق مدين، وذكر أنه كان ضل الطريق.

وقوله: { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } أي: ورد البئر التي كان ماء مدين من تلك البئر.

{ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ } أمة أي: جماعة.

وقيل: أناس من الناس يسقون أغنامهم ومواشيهم.

{ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ }: قال: بعضهم: { تَذُودَانِ }: تحبسان حتى يفرغ الناس ويصدرون ويخلو لهما البئر.

وقال بعضهم: { تَذُودَانِ } أي: تطردان أغنامهما لتسقياها.

ثم قوله: { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ } يحتمل وجهين:

أحدهما: تذودان غنمهما ولا تسقيانها حتى يصدر الرعاء؛ لما لا تتركان تسقيان غنمهما مع غنم أولئك الرعاء حتى يصدروا هم.

والثاني: لا تمنعان ذلك، ولكنهما تستحيان أن تزاحما الرجال وتختلطا بهم، فتنتظران فراغهم صدور الرعاء عنها.

فإن قيل: فما بالهما لا تتخلفان وقت اجتماع القوم، وتشهدان في ذلك الوقت، ولا تنتظران خلاء البئر عنهم؟!

قيل: لما ذكر أن على رأس البئر حجرا يلقى عليه لا يطيقه إلا كذا كذا نفرا؛ وكذلك الدلو التي يستقى منها لا يطيقها إلا كذا كذا من عشرة إلى أربعين على ما ذكر، فهما تشهدان ذلك البئر وقت شهود القوم وحضورهم؛ ليتولوا هم نزح الدلو واستقاءها، ولو تخلفتا وانتظرتا خلاء البئر عنهم ثم تأتيان، لم تقدرا على نزح الماء والدلو، ورفع الحجر الذي ذكر أنه كان على رأس البئر، لذلك كان ما ذكر، والله أعلم.

وقوله: { مَا خَطْبُكُمَا } أي: ما شأنكما وما أمركما؟ { قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ }؛ لما ذكرنا.

وقرئ: { يُصْدِرَ } بنصب الياء وبالرفع جميعاً.

فمن قرأه بالنصب فإنه يقول: حتى يصدر الرعاء بأنفسهم أي: يرجع.

ومن قرأه بالرفع، أي: حتى يصرفوا ويرجعوا أغنامهم، والله أعلم.

وقوله: { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }: تذكران - والله أعلم - عذر أبيهما في التخلف عن سقي الغنم، وإرساله إياهما في ذلك دون تولي ذلك بنفسه، وقالا: ذلك لكبره وضعفه ما يتخلف عن ذلك ويرسلهما، وإلا لا معنى لذكر كبر أبيهما بلا سبب يحملهما على ذلك سوى ما ذكرنا.

وجائز أن يكون لمعنى آخر لا نعلمه.

وقوله: { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ }: دل أن البئر التي كانت تسقى الماشية منها كانت في الشمس؛ حيث أخبر أنه أسقى لهما ثم تولى إلى الظل.

وفيه أن لا بأس بأن يجلس في الظل.

وقوله: { فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } قيل: إن هذا منه شكاية عما أصابه من الجوع؛ لأنه ذكر أنه خرج من المصر إلى مدين هارباً من فرعون وقومه، غير متزود، وهو مسيرة ثماني ليال.

السابقالتالي
2 3 4