الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ طسۤمۤ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِٱلْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } * { وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ }

قوله - عز وجل -: { طسۤمۤ * تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ }: قد ذكرنا هذا فيما تقدم في غير موضع مما يغني عن ذكره في هذا الموضع.

وقوله: { نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِٱلْحَقِّ }: { مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ } أي: من خبرهما.

وقوله: { بِٱلْحَقِّ } أي: بالصدق ما يعلم أنه صدق وحق.

وجائز أن يكون قوله: { بِٱلْحَقِّ } أي بالحق الذي لموسى على فرعون وقومه.

أو بالحق الذي لله عليه، والله أعلم.

وقوله: { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يحتمل وجهين:

أحدهما: { نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ } للمؤمنين؛ لأنهم هم المنتفعون بالأنباء وما فيها، وأما من لا يؤمن فلا ينتفع بها فلا يكون.

والثاني: لقوم يؤمنون بالأنباء والكتب المتقدمة، هم يعرفون أنه حق لما في كتبهم ذلك، والله أعلم.

وقوله: { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ }: قال بعضهم: تجبّر واستكبر وأبى أن يصغي لموسى ولأمثاله.

وقال بعضهم: { عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } أي: بغى وقهر؛ فيكون تفسيره ما ذكر على أثره { يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ } ، هذا - والله أعلم - يشبه أن يكون علوه وبغيه في الأرض.

ويشبه أن يكون قوله: { عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } أي: علا قدره وارتفع رتبته في الأرض لما ادعى لنفسه الألوهية والربوبية، بعد ما كان عبدا كسائر العباد أو دونهم، فعلا قدره وارتفعت منزلته بدعواه بذلك، وعلا في الأرض، أي: غلب.

وقوله: { وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً } قيل: فرقا: يستضعف طائفة، ويذبح طائفة، ويستحيي طائفة، ويعذب طائفة.

وجائز أن يكون قوله: { وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً } أي: جعل لكل طائفة منهم عبادة صنمٍ لم، يجعل ذلك لطائفة أخرى، وجعل طائفة أخرى على عمل أولئك وحوائجهم؛ ليتفرغوا لعبادة الأصنام التي استعبدهم لها؛ لأن الشيع فرق يرجعون جميعاً إلى أصل واحد وإلى أمر واحد.

وقوله: { إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ }: كذلك كان، لعنه الله.

وقوله: { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ }: هذا في الظاهر إخبار لرسوله أنه سيفعل ذلك، لا أنه منّ عليهم وفعل ذلك؛ لأنه يقول: نريد أن نمن على الذين كذا، وقد من عليهم بذلك فهلا قال: وقد مننا على الذين استضفعوا في الأرض؟ لكن معناه - والله أعلم - أي: كنا نريد في الأزل أن نمن عليهم؛ وأن نجعلهم أئمة، وأن نجعلهم الوارثين، وإلا الظاهر ما ذكرنا.

وقوله: { وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً } يحتمل وجهين:

أحدهما: جعلهم جميعاً أئمة لنا، بهم نقتدي وننقاد لهم، أو أن يكون قوله: { وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً } أي: نجعل فيهم أئمة وقادة لهم، أي: نجعل بعضهم أئمة لبعض؛ كقوله لموسى:ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ } [المائدة: 20]، والأئمة المذكورة هاهنا كأنهم هم الأنبياء الذين ذكروا في هذه الآية.

السابقالتالي
2