الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَأَنْ أَتْلُوَاْ ٱلْقُرْآنَ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ } * { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

قوله: { إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا }.

قوله: { حَرَّمَهَا } يحتمل وجهين:

يحتمل { حَرَّمَهَا } أي: منعها من الاستلاب والاختطاف فيها؛ كقوله:وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ } [القصص: 12] ليس على التحريم حتى لا يحل له ذلك، ولكن على المنع والحظر، أي: منعنا منه المراضع.

والثاني: على التحريم نفسه، وهو ما جعل في كل أحد من الكافر والمسلم في الجاهلية والإسلام حرمة ذلك المكان؛ حتى لا يتناول أحد من صيد تلك البقعة ومن شجرها وحشيشها، والله أعلم.

وقوله: { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَاْ ٱلْقُرْآنَ }: أيضاً عليكم كأنهم أوعدوه بوعيد وخوفوه به، وطلبوا منه الموافقة لهم، فقال عند ذلك لهم: إنما أمرت أن أعبد ربّ هذه البلدة، وهو رب كل شيء، أي: أمرت أن أكون عبدا له، لا أجعل نفسي عبدا لغيره، وأمرت - أيضاً - أن أجعل نفسي سالماً له، لا أجعل لأحد فيها شركا كما جعلتم أنتم - أيضاً - ذلك كله.

وأمرت - أيضاً - أن أتلو القرآن عليكم، فأنا أتلوه عليكم كذبتموني أو لم تكذبوني، فإني لا أخاف كيدكم ولا مكركم، والله أعلم.

وفي قوله: { إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا } دلالة لزوم الرسالة؛ لأن أهل مكة وغيرهم قد أقروا جميعاً بحرمة تلك البقعة من أوائلهم وأواخرهم، فما عرفوا ذلك إلا بالرسل؛ دل أن أوائلهم يقرون بالرسل والنبوة، فعلى ذلك يلزم هؤلاء الإقرار بها، والله أعلم.

وقوله: { فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ }: يخبر: أن من آمن وقبل الهدى فإنما يفعل ذلك لمنفعة نفسه، ومن ضل - أيضاً - فإنما يكون ضرره عليه؛ كقوله:مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [فصلت: 46].

وقوله: { فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ } أي: ليس عليّ إلا الإنذار، فأمّا غير ذلك فذلك عليكم؛ كقوله:فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } [النور: 54]، وقوله:مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ } [الأنعام: 52].

وقوله: { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ }: هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: سيريهم آيات وحدانيته وربوبيته، وآيات رسالته.

وقوله: { فَتَعْرِفُونَهَا } أي: بالآيات ما ذكر؛ كقوله:سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } [فصلت: 53].

والثاني: سيريهم ما وعد لهم من النصر والمعونة ليعرفوه عياناً على ما عرفوه خبرا.

وقوله - تعالى -: { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }: قال بعضهم: هذا الحرف توبيخ للظالم وتعيير وزجر، وتعزية للمظلوم وتسل له.

وقال بعضهم: هذا الحرف ترغيب وترهيب.

قال القتبي: قوله:رَدِفَ لَكُم } [النمل: 72] أي: تبعكم، واللام زائدة؛ كأنه قال: ردفكم، والله أعلم بالصواب.