الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } * { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } * { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } * { أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ تَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { أَمَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } * { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ }

قوله: { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } أمر نبيه بالحمد له والثناء عليه على هلاك أعداء الرسل الخالية.

ثم قال: { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } وهم الرسل والأنبياء، صلوات الله عليهم.

وجائز أن يكون أمره إياه بالحمد له والثناء عليه لما أنعم عليه من أنواع النعم، منها ما ذكر من هلاك أعداء الرسل وإبقاء أوليائهم؛ تخويفاً لأعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهلكوا كما أهلك أعداء الرسل الخالية.

أو أن يكون أمره إياه بالحمد له والثناء عليه؛ لما أنعم عليه في نفسه من أنواع النعم من النبوة والرسالة والهداية ونحوه، والله أعلم.

وقوله: { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ }: يحتمل الرسل؛ كقوله:وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الصافات: 181]. ويحتمل الأمر بالسلام على أصحابه وجميع المؤمنين؛ كقوله:وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ } [الأنعام: 54]، أمر رسوله بالسلام على المرسلين وعلى أصحابه وعلى المؤمنين.

ثم في قوله: { ٱصْطَفَىٰ } دلالة: أن لا أحد يستوجب الصفوة إلا بالله؛ حيث قال: { ٱصْطَفَىٰ }.

وقوله: { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } أي: الذي فعل هذا بالأمم الخالية من الهلاك للأعداء وإبقاء الرسل والأولياء، أم الأصنام التي تشركون في عبادته، وهي لا تملك شيئاً من ذلك؟ يقول - والله أعلم -: إنكم تعلمون أن الله يملك ما ذكر من إهلاك أعدائه وإبقاء رسله، والأصنام التي تعبدونها دونه لا تملك شيئاً، فكيف تشركونها في ألوهيته؟! وإلا لم يذكر جواب قوله: { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } جوابه أن يقولوا: بل الله خير.

وكذلك روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - إن ثبت -: أنه كان إذا قرأ هذه الآية، قال: " بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم ".

وقوله: { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ }: يذكرهم بهذا؛ لوجهين:

أحدهما: يذكر قدرته وسلطانه في خلق ما ذكر من السماوات والأرض، وإنزال الماء من السماء، وإنبات النبات من الأرض، وإخراجه على إقرارهم أن الله خالق ذلك لا غيره، فيقول: فإذا علمتم أن الله هو خالق ذلك كله، فكيف أشركتم غيره ممن لا يملك ذلك، ولا يقدر في تسمية الإلهية والعبادة؟!

والثاني: يخبر عن اتساق الأمور والتدبير فيهما جميعاً، واتصال منافع أحدهما بالآخر، على تباعد ما بينهما؛ ليعلم أن منشئهما ومدبرهما واحد لا عدد، فإذا عرفتم ذلك فكيف أشركتم غيره فيهما؟! وهو كقوله:لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22].

وهذا الحرف على الثنوية والدهرية وهؤلاء لقولهم بالعدد وإنكارهم الواحد، والأول على المقرين بالواحد إلا أنهم أشركوا الأصنام في التسمية والعبادة.

وقوله: { حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ }: قال بعضهم: الحدائق: الحيطان، والبساتين: ما دون الحيطان.

السابقالتالي
2 3 4