الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } * { أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } * { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } * { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } * { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ }

قوله: { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ }: كأن فيه إضماراً كأنه قال: أرسلنا لوطاً إلى قومه.

{ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } أي: أتاتون الفاحشة وأنتم تبصرون، وتعلمون أنها فاحشة.

{ أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً } أي: اشتهاء لكم { مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ }: يقول: تأتون الذكور وتدعون النساء، وهو ما قال في آية أخرى:أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ... } الآية [الشعراء: 165].

وقوله: { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ }: قال بعضهم: ولكن أنتم قوم تجهلون، أي: تجهلون الأمر فتعصون.

ويشبه أن هذا جواب قول كان من قومه نحو ما قالوا:لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ } [الشعراء: 167]، فقال عند ذلك: { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } ما تقولون، أي: على جهل ما تقولون ذلك، أو كلام نحوه، والله أعلم.

وقوله: { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ }.

قوله: { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } في وقت إلا أن قالوا كذا، لا في الأوقات كلها؛ لأنه قد كان منهم قول وجوابات نحو ما قالوا:ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ... } الآية [العنكبوت: 29] ونحوه، وقولهم: { إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }؛ دل هذا منهم أنهم قد علموا أن ما يأتون ويعملون أنه خبيث وفحش ومنكر حيث قالوا: { إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }.

ثم يحتمل قولهم هذا وجوهاً:

أحدها: أنهم قالوا ذلك استهزاء منهم بهم.

والثاني: قالوا: { أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ }؛ فإنهم يستقذرون أعمالنا وأفعالنا.

والثالث: على التحقيق { إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }.

وقوله: { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } فيه دلالة أن غير الزوجة يجوز أن يسمى أهلا.

قال عامة أهل التأويل: أهله: بناته.

وفي قوله: { قَدَّرْنَاهَا مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } دلالة خلق أفعال العباد؛ حيث أخبر أنه قدرها من الغابرين، والغبور والبقاء فعلها، فأخبر أنه قدر ذلك منها وخلق.

وقوله: { مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } أي: الباقين في عذاب الله.

وفي حرف ابن مسعود: { ولقد وفينا إليه أهله كلهم إلا عجوزا في الغابرين }.

وقوله: { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } أي: ساء مطر المنذرين الذين لم يقبلوا الإنذار، ولم تنفعهم النذارة.