الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } * { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } * { قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } * { قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ }

قوله: { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ }: الرسول الذي بعثت معه بلقيس الهدية.

ويحتمل: { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ } المال الذي بعثت إليه؛ يحتمل ذا أو ذا.

وقوله: { قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } أي: أتعطونني بمال، وقال أهل الأدب: { أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } من المدد، والمدد الزيادة كما يمد القوم، ويكون الإعطاء كقوله:وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } [الطور: 22]، ويحتمل هذه الزيادة، والله أعلم.

وقوله: { فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ } أي: ما آتاني الله من النبوة والعلم والحكمة خير مما آتاكم من الأموال.

ويحتمل: { فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ } فأوتيكم إذا أتيتموني مسلمين { خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ }؛ إذ لم تؤتوني وأوتيتم الإسلام، أو كلام نحو هذا.

وقال بعض أهل التأويل: فما آتاني الله من الملك خير مما آتاكم من الملك؛ لأنه سخر له الجن والإنس والشياطين والطيور والرياح وجميع الأشياء، فذلك خير له وأعظم من ملكها.

والأول أشبه وأقرب؛ إذ لا يحتمل أن يفتخر سليمان بملكه على غيره، إنما يكون افتخاره بالدين والنبوة؛ والله أعلم.

وقوله: { بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ }: قال بعضهم: بل أنتم بهديتكم تفرحون إذا ردت إليكم، لكن هذا بعيد: لا تفرح برد الهدية إذا ردت إليها، ولم تقبل بل تحزن على ذلك وتهتم، لكنه يقول - والله أعلم - بل أنتم أولى بالفرح بالمال والهدايا منا؛ إذ مرادكم المال والدنيا، ومرادنا الدين ودار الآخرة، أو كلام نحو هذا، والله أعلم بذلك.

وقوله: { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا }: قال ذلك - والله أعلم - للرسول الذي أتاه بالهدية: { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } ، أي: لنأتينهم بجنود لا طاقة لهم بها إن لم يأتوني مسلمين، { وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } إن لم يأتوني مسلمين.

ثم قال سليمان - عليه السلام -: { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ } إنما خاطب به أشراف قومه، وهكذا العادة في الملوك أنهم إذا خاطبوا أحداً بشيء إنما يخاطبون أهل الشرف والمنزلة منهم.

{ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }: قال بعض أهل التأويل: إنما قال هذا لأنه علم نبي الله متى أسلموا يحرم أموالهم مع دمائهم، فأحب أن يؤتى به قبل أن يحرم ذلك عليه، لكن هذا محال بعيد وفحش من القول لا يحتمل أن يكون رغبة سليمان في الأموال هذا الذي ذكر بعدما رد هداياها إليها، وأخبر: إنكم تفرحون بها؛ لأنكم أهل دنيا؛ إذ رغبة أهل الدنيا في الأموال، ونحن أهل الدين رغبنا في الدين به نفرح، ويستعجل كل هذا الاستعجال رغبة في مالها وعرشها.

لكنه - والله أعلم - يخرج على وجهين:

أحدهما: أنه أراد أن يريهم قوته وسلطانه أن يرفع واحد من جنوده عرشها - مع عظمه - بمعاينة منهم ومشاهدة وحمله من بينهم؛ ليعلموا أن من قدر على ذلك لقادر أن يأتيهم بجنود لا طاقة لهم تصديقاً لما قال: { فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } ، ويقدر على قهرهم وغلبتهم.

السابقالتالي
2 3