الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } * { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ } * { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ } * { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } * { قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } * { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ } * { وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } * { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله: { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } ، وذكر في حرف ابن مسعود وأبي: { وقربت الجحيم الضالين } وفي هذه [القراءة] الظاهرة: بُرِّزَتْ: أُظْهِرَتْ.

وقوله: { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ } في الدنيا، أي: ثم يقال لهم: أين ما كنتم تعبدون من دون الله في الدنيا، هل ينصرونكم ويمنعونكم من عذاب الله، أو ينتصرون هم من العذاب؟! لأنهم يطرحون جميعاً العابد والمعبود في النار؛ كقوله:إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98]، وإنما قالوا ذلك لهم؛ لأنهم كانوا يقولون في الدنياهَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18] ومَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3]، فيقال لهم مقابل ذلك في الآخرة: { هَلْ يَنصُرُونَكُمْ } الآية.

وقوله: { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ }: قال الزجاج: هو من كب، أي: كبوا، لكن ذكر كبكبوا على التكرار والإعادة مرة بعد مرة، أي: يكبون لم يزل عملهم ذلك، أو كلام نحو هذا.

وقال القتبي: { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا }: ألقوا على رءوسهم، وقذفوا.

وأصل الحرف كبوا، من ذلك كببت الإناء، فأبدلت مكان الباء الكاف، وهو الطرح والإلقاء على الوجوه؛ يقال: كبكبتهم أي: طرحتهم في النار أو في البئر، هو من قوله:فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } [النمل: 9].

{ وَٱلْغَاوُونَ }: قيل: الضالون، يقال: غوى يغوى غيا وغواية فهو غاوٍ، أي: ضل؛ وهو قول أبي عوسجة والقتبي.

وقال أبو معاذ: { فَكُبْكِبُواْ }: أصله: كبوا.

وقال بعضهم: جمعوا فيها: { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ }.

قال بعضهم: { وَٱلْغَاوُونَ } هم الشياطين، { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ }: ذريته، أي: الشياطين الذين أضلوا بني آدم؛ وهو قول قتادة.

وقال بعضهم: { وَٱلْغَاوُونَ }: هم كفار الجن، { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ } هم الشياطين.

وقال بعضهم: { وَٱلْغَاوُونَ }: هم الأئمة من الكفار، { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ }: سائر الكفار أتباعهم وذريتهم، والله أعلم.

وقوله: { قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ }: ذكر أنهم يختصمون في النار، ولم يذكر فيم يكون خصومتهم؟ فجائز أن يكون في آية أخرى:يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ... } [سبأ: 31] إلى آخر ما ذكر، وقوله:قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ } الآية [ص: 61]، وقوله:رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً } الآية [الأعراف: 38]، وأمثاله من المجادلات التي تجري فيما بين الأتباع والمتبوعين.

وقال بعضهم: اختصامهم ما ذكر على أثره، قال: { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } الآية؛ هذه مخاصمتهم.

وقوله: { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }: فإن كان قولهم هذا للأصنام التي عبدوها، وذلك في تسميتهم آلهة، وجعلهم العبادة لها يسوونها برب العالمين في التسمية والعبادة.

وإن كان قولهم هذا للشياطين، فهو في اتباعهم أمرهم ودعاهم الذي دعوهم، وإلا لا أحد من الكفرة يقصد قصد عبادة الشيطان أو يسميه: إلها، ولكن على ما ذكرنا من متابعتهم أمرهم.

السابقالتالي
2