الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ } * { قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } * { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } * { أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } * { قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } * { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } * { أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ } * { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } * { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } * { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } * { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } * { وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ } * { رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } * { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } * { وَٱجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } * { وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ } * { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } * { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ } * { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }

قوله: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ }: أي اتل على أهل مكة نبأ إبراهيم وخبره؛ لأنهم كانوا من أولاد إبراهيم ومن نسله، وهم يقلدون آباءهم في عبادتهم الأصنام، وإبراهيم وبعض أولاده: إسماعيل وإسحاق وهؤلاء كانوا مسلمين، عباد رب العالمين لا عباد الأصنام، فهل اتبعوا إبراهيم ومن كان معه على دينه من آبائهم، دون أن اتبعوا من عبد الأصنام يسفه أحلامهم في عبادتهم الأصنام وتقليدهم أولئك الذين عبدوا من آبائهم الأصنام، وتركهم تقليد من لم يعبدها وعبد الله.

ثم قول إبراهيم حيث قال لأبيه وقومه: { مَا تَعْبُدُونَ } ، يحتمل قوله: { مَا تَعْبُدُونَ } على ما ذكر في آية أخرى:مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَإِفْكاً } [الصافات: 85-86].

ويحتمل { مَا تَعْبُدُونَ } أي: من تعبدون؟ فقالوا: { نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } أي: نقيم لها عابدين، أي: نديم على عبادتها، والعكوف على الشيء: هو الإقامة عليه والدوام.

قال أبو معاذ النحوي: " ظَلَّ " لا يقال إلا بالنهار، ومحال أن يقال: ظل ليله يصنع كذا، حتى يقول: بات ليله، ومنه الحديث: " ظل نهاره صائماً، وبات ليله قائماً ".

[ثم قال] يبين سفههم: { هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ }. يحتمل قوله: { هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ } أي: هل يجيبونكم إذ تدعونهم.

ويحتمل: هل يسمعونكم على السماع نفسه، أي: هل يسمعون دعاءكم إذ تدعونهم؛ كقوله:إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ } الآية [فاطر: 14].

وقوله: { إِذْ تَدْعُونَ }: يحتمل تعبدون، ويحتمل الدعاء نفسه، وإن كان على العادة فلا يحتمل تأويل السماع.

وقوله: { أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ }: وهل يقدرون على نفعكم وضركم إن أرادوا ذلك بكم وشاءوا.

أو أن يكون ما ذكر أهل التأويل: هل ينفعونكم إن عبدتموها وأطعتموها، أو يضرونكم إن عصيتموها وتركتم عبادتها، فبهتوا ولم يقدروا على الجواب له سوى ما ذكروا من تقليد آبائهم في ذلك فقالوا: { بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } لما عرفوا أن تلك التي عبدوها لا تملك ضرّاً ولا نفعاً، لكنهم عبدوها تقليداً لآبائهم؛ لما وقع عندهم أن آباءهم ما عبدوها إلا بأمر، إذ لو لم يكن ذلك بأمر ما تركوا، لكن قد ذكر أن في آبائهم من لم يعبدها قط، ثم لم يقلدوهم فكيف قلدوا أولئك؟! دل أن الاعتلال فاسد.

وقوله: { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ }: ثم قال: إنهم وآباءهم الذين عبدوا الأصنام من قبل عدو له إلا رب العالمين، استثنى رب العالمين، يقول: هم عدو لي وأنا بريء منهم، إلا أن يكون فيهم من يعبد ربّ العالمين، فيكون على الإضمار، أي: فإنهم جميعاً عدو لي إلا من عبد رب العالمين.

وقال بعضهم: يقول: إن العابد والمعبود كلهم عدوّ لي إلا رب العالمين، أي: إلا المعبود بالحقيقة الذي يستحق العبادة، فإنه وليي.

السابقالتالي
2 3 4