الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ طسۤمۤ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } * { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } * { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ } * { فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله - عز وجل -: { طسۤمۤ } قد ذكرنا تأويل الحروف المعجمة فيما تقدم؛ وكذلك قوله: { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } قد ذكرنا تأويله، أيضاً.

وقوله: { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ }: كان يشتد على رسول الله تركهم الإيمان وتكذيبهم إياه؛ إشفاقاً وخوفاً عليهم، وتعظيماً لله وإجلالا لحقه، حتى كادت نفسه تهلك حزناً على ذلك؛ وكقوله:فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [الكهف: 6]، والأسف: هو النهاية في الحزن؛ كقول يعقوب:يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ } [يوسف: 84].

وقال بعضهم: الأسف: هو النهاية في الغضب؛ كقوله:فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [الزخرف: 55] قيل: أغضبونا، وقد ذكرنا في سورة يوسف على ما ذكر الله ورسوله ووصفه كان مطبوباً بحزن وتأسف لمكان كفرهم وتكذيبهم؛ كقوله:عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ... } الآية [التوبة: 128]، يحزن عليهم إشفاقاً عليهم، ويغضب عليهم لله تعظيماً له وإجلالا لأمره لما ضيعوا أمره ونهيه، وهكذا الواجب على كل من رأى آخر في فاحشة أو كبيرة أن يحزن ويترحم عليه ويغضب لله لما ارتكب من الفاحشة.

وقوله: { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ }: قالت المعتزلة: قوله: { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً } مشيئة قسر وقهر حتى يضطروا لها فيؤمنوا.

لكن عندنا مشيئة الإيمان والاختيار، أي: إن شاء إيمانهم ينزل عليهم آية فيؤمنوا؛ لأن الآية لا تضطر أحداً ولا تقهر على الإيمان، دليله قوله:وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ } الآية [الأنعام: 111]، أخبر أنهم لا يؤمنون وإن فعل ما ذكر، ولا يضطرهم ذلك على الإيمان؛ وكذلك ما أخبر عنهم في الآخرة، قال:يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ... } الآية [المجادلة: 18].

وقوله:ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ... } الآية [الأنعام: 23]، أخبر عن خلفهم وإنكارهم في الآخرة: أنهم لم يكونوا على ما كانوا، ولا تكون آية أعظم مما عاينوا من أنواع العذاب، ثم لم يمنعهم ذلك عن التكذيب، ولا اضطرهم على الإقرار والتصديق؛ دل أن الآية وإن كانت عظيمة لا تضطر أهلها على الإيمان والتصديق، وقد ذكرنا هذه المسألة فيما تقدم ما يغنينا عن ذكرها في هذا الموضع.

وقوله: { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } أي: مالت وخضعت لها أعناقهم، والأعناق كأنها كناية عن أنفسهم.

وعن ابن عباس قال: { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } قال: سيكون لنا دولة على بني أمية، فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة وهوانا بعد عزة، فقد كان ذلك.

وقال بعضهم: الأعناق: السادة والقادة، والواحد عنق، أي: إذا أسلم القادة أسلم الأتباع اتباعاً لهم، والله أعلم.

وقوله: { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ }: قال بعضهم: يقول: كلما نزل شيء بعد شيء من الموعظة والذكر فهو محدث من الأزل.

السابقالتالي
2