الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ } * { تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } * { يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } * { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } * { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }

قوله: { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ }: خرج هذا - والله أعلم - وما تقدم ذكره من الآيات جواباً لقول كان من رؤساء الكفرة وقادتهم لا يزالون يلبسون على أتباعهم والسفلة أمر رسول الله وما ينزل، فقالوا مرة:أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [الأنعام: 25]، ومرة:مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } [سبأ: 43]، وأنه شاعر وأنه ساحر، ومرة قالوا:إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } [النحل: 103]، وأمثال هذا، فجائز أن كان منهم - أيضاً - قول: إن الشياطين هم الذين يتنزلون بهذا القرآن عليه، على ما ذكر أنهم قالوا: يجيء به الرئي - وهو الشيطان - فيلقيه على لسانه، فقال عند ذلك جواباً لهم: { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ... } الآية، ولكن إنما يتنزل به جبريل حيث قال:قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ... } الآية [النحل: 102].

ثم أخبر عن الشياطين أنهم على من ينزلون حيث قال: { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ } فقال: { تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } ، ذكر هذا لما عرفوا هم أن الشياطين لا يتنزلون إلا بكذب وباطل، فمن لا ينزل إلا بكذب وباطل لا ينزل إلا على كذاب أفاك، وكان معلوما عندهم أن محمدا لم يكذب قط ولا أفك أبداً؛ إذ لم يأخذوه يكذب فيما بينهم قط، فيقول - والله أعلم - كيف يتنزل عليه الشياطين وهو معروف عندكم أنه ليس بكذاب ولا أفاك، وقد تعلمون أن الشياطين لا ينزلون إلا بكذب وباطل؟! على هذا يخرج تأويل هذه الآيات، وإلا على الابتداء لا يحتمل أن تكون.

ثم أخبر عن صنيع الشياطين فقال: { يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ }:

قال بعضهم: يلقي الشياطين بآذانهم إلى السمع في السماء لكلام الملائكة، وذلك أن الله إذا أراد أمراً في الأرض علم به أهل السماء من الملائكة، فيتكلمون به فيسمع الشياطين ذلك، فيخبرون به الكهنة، فيخبر الكهنة أهل الأرض بذلك، فيقولون: إنه يكون في الأرض كذا في وقت كذا، ثم قال: { وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } - على هذا التأويل -: وأكثر الشياطين كاذبون فيما يخبرون الكهنة من أخبار السماء.

وقال بعضهم: إن الجن كانوا يصعدون إلى السماء فيسترقون أسماعهم إلى السماء، فيسمعون من أخبار أهلها، ثم ينزلون به على الكهنة، ويسمع الكهنة - أيضاً - من أخبار الرسل، ويخلطون ما سمعوا من الرسل من الحق بما سمعوا من الشياطين.

وقال بعضهم: كانوا يسمعون من الجن حقّاً، لكنهم يخلطون من عند أنفسهم كذباً، فيحدثون به الناس، حتى إذا كان الناس يتركون ما يسمعون منهم من الكذب، حدثوهم بذلك الحق الذي نزل به من السماء، ويراجعونهم ويصدقونهم؛ فذلك قول الله: { وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } أي: أكثر قولهم كذب، والله أعلم بذلك.

السابقالتالي
2 3