الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } * { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } * { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } * { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } * { قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } * { قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } * { قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } * { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } * { قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } * { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } * { قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } * { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ }

ثم قال له فرعون: { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ }: يذكر نعمته التي أنعمها عليه بتربيته إياه صغيراً، وكونه فيهم دهرا، وكفران موسى لما أنعم عليه وهو ما قال: { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } ، وهو قتل ذلك القبطي الذي وكزه موسى فقضى عليه، فأقر له موسى بذلك، فأخبر أنه فعل ذلك حيث قال: { فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ }.

وقوله: { فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } أي: فعلت ذلك وأنا كنت من الجاهلين، لا يعلم أن وكزته تلك تقتله، وإلا لو علم ما وكزه؛ لأنه لم يكن يحل له قتله حيث قال:هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [القصص: 15]؛ دل ذلك منه أنه كان لم يحل قتله إلا أنه جرى ذلك على يده خطأ وجهلا.

وفيه دلالة أن الرجل قد ينهى ويؤاخذ بما يجري على يده خطأ وجهلا، ويخاطب بذلك حيث قال: { فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ }.

ثم قال: { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ }: وهو حين قال ذلك الرجل:إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ } الآية [القصص: 20]، فخرج منها خائفاً يترقب، وذلك فراره منهم.

وقوله: { فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }: قال بعضهم: قوله: { فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً } أي: نبوة.

وقال بعضهم: حكما، أي: منَّ عليّ بالحكم وجعلني من المرسلين، وقد كان ذلك له كله.

وقوله: { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ }: وهو استعبادك إياهم، أي: إذا ذكرت هذا فاذكر ذاك، هذا يحتمل وجوهاً.

أحدها: أن تذكر ما أنعمت عليّ وتمنها، ولا تذكر مساوئك ببني إسرائيل، وهو استعبادك إياهم، أي: إذا ذكرت هذا فاذكر ذاك.

والثاني: أن تلك نعمة تمنها عليّ حيث لم تعبدني وعبّدت بني إسرائيل، يخرج على قبول المنة منه.

والثالث: وتلك نعمة لو خليت عن بني إسرائيل ولم تستعبدهم لولوا ذلك عنك، وتمام هذا يقول موسى لفرعون: أتمن عليّ يا فرعون بأن اتخذت بني إسرائيل عبيداً، وكانوا أحراراً فقهرتهم؟!

وقال موسى: { فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } أي: من الجاهلين بذلك أنه يتولد من وكزته الموت؛ وكذلك روي في بعض الحروف: { وأنا من الجاهلين }؛ دل أنه على الجهل ما فعل ذلك لا على القصد.

وقال بعضهم: في قوله: { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ } يقول: وهذه منة تمنها بقوله: { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً } يقول: تمن بها عليّ أن تستعبد بني إسرائيل، وتمنّ عليّ بذلك.

ثم قال فرعون لموسى: { وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ، فقال له: { قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ }: من خلق، { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } ، ثم قال لمن حوله: { أَلاَ تَسْتَمِعُونَ }.

إنما قال اللعين هذا - والله أعلم - لما وقع عنده أن موسى حاد عن جواب ما سأله؛ لأنه إنما سأله عن ماهيته فهو إنما أجابه عن قهره وربوبيته؛ فظن أنه حائد عن جواب ما سأله؛ وكذلك قال لقومه: { أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } إلى ما يقول موسى؛ تعجباً منه أني أسأله عن شيء وهو يجيبني عن شيء آخر.

السابقالتالي
2 3