قوله: { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }: وإنه - أي: القرآن - تنزيل رب العالمين، أي: نزله رب العالمين. { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ }: جواب لقولهم:{ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } [النحل: 103]. وقوله: { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ }: يحتمل وجوهاً. أحدها: أن جبريل لما ينزل من القرآن إنما ينزل على قلبه، لا يحجبه شيء عن قلبه. والثاني: { عَلَىٰ قَلْبِكَ } أي: لا يذهب عنه، بل الله يجمعه في قلبك؛ كقوله:{ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } [القيامة: 16-17]. أو أن يكون قوله: { عَلَىٰ قَلْبِكَ } أي: يثبته على قلبك لقولهم:{ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } [الفرقان: 32]. أو أن يكون قال ذلك لما انتهى إلى قلبه وحفظه غاية حفظه قال: { عَلَىٰ قَلْبِكَ }؛ كأنه ألقي في قلبه وكذلك يقال. وقوله: { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ }: كأنه - والله أعلم - على التقديم والتأخير يخرج، أي: نزل به الروح الأمين على قلبك بلسان عربي مبين لتكونن من المنذرين. والباطنية يقولون: أنزله على رسوله كالخيال غير موصوف بلسان، ثم إن رسوله أداه بلسانه العربي المبين أي: بينه، لكنه ليس كذا؛ لأنه قال في آية أخرى:{ إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [يوسف: 2]؛ فيبطل قولهم: إنه أداه بلسانه عربيّاً من غير أن أنزله كذلك، ولو كان على ما يقوله الباطنية: إنه لم ينزله بهذا اللسان - أعني: اللسان العربي - وأن الرسول هو الذي صيره بهذا اللسان وأداه به لكان لا يصير جواباً لقولهم:{ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [النحل: 103]، ولا حجة عليهم، فإذا ذكر هذا جواباً لقولهم وحجة عليهم؛ دل أنه إنما أنزل عليه عربيّاً، وأن تأويل الأول ما ذكرنا على التقديم والتأخير. وقوله: { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ }: قال بعض أهل التأويل: وإنه - أي: نعت محمد وصفته - كان في كتب الأولين. وجائز أن يكون قوله: { وَإِنَّهُ } أي: هذا القرآن كان ذكره في كتب الأولين أنه ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أن عينه كان فيها. أو أن كان بعضه في زبر الأولين لا الكل، والله أعلم. وقوله: { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ }: قال بعض أهل التأويل، أو لم يكن لهم محمد آية أن علماء بني إسرائيل كانوا يعلمون أنهم يجدونه مكتوباً عندهم في الكتب. لكن تأويله: أو لم يكفهم علم علماء بني إسرائيل آية أنه رسوله. ثم الآية تكون بوجهين: أحدهما: ما ذكر أن أهل مكة أرسلوا إلى اليهود بالمدينة يسألونهم عن رسول الله، فأخبروهم عنه أنه يخرج في وقت كذا، وأن نعته كذا، وهذا وقت خروجه.