الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } * { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } * { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } * { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } * { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } * { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } * { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } * { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } * { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً }

قوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا }: قال أهل التأويل: { لاَ يَرْجُونَ } أي: لا يخافون ولا يخشون لقاءنا، أي: البعث بعد الموت.

وقال أهل الكلام: الرجاء: هو الرجاء لا الخوف، لكن جائز أن يكون في الرجاء خوف، وفي الخوف رجاء؛ لأن الرجاء الذي لا خوف فيه هو أمن، والخوف الذي لا رجاء فيه إياس، فكلاهما مذمومان: الإياس والأمن جميعاً.

وقوله: { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا }: جائز أن يكون قولهم: لولا أنزل علينا الملائكة رسلا دون أن أنزل البشر رسلا إلينا؛ لإنكارهم البشر رسولا؛ كقولهم:مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [المؤمنون: 24].

ويحتمل قولهم: { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ }: بالوحي والرسالة لنا دونك، ونحن الرؤساء والملوك والقادة دونك؛ يقولون: لو كان ما تقول حقّاً وصدقاً أنك رسول، وأنه ينزل عليك الوحي والملك فنحن أولى بالرسالة منك؛ إذ نحن الملوك والرؤساء؛ كقولهم:لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] وأمثال هذه الأفكار.

ثم الرسالة لمن هو دونهم في الدنياوية.

أو أن يكون ذلك؛ كقولهم:لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً... أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ } [الفرقان: 7-8] أي: رسول أو نرى ربنا عيانا ونكلمه ونسأله عن ذلك، والله أعلم.

وقوله: { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ }: الاستكبار: هو ألا يرى غيره مثلا له، ولا عدلا ولا شكلا في نفسه وأمره، فإن كان هذا فهو ما لم يروا رسول الله أهلا للرسالة وموضعاً لها؛ لفقر ذات يده وحاجته، ورأوا أنفسهم أهلا لها، فاستكبارهم هو ما لم يروا غيرهم مثلا ولا شكلاً لأنفسهم؛ فاستكبروا ولم يخضعوا لرسول الله، ولم يطيعوه، ولم يتبعوه أنفا منه، بعد علمهم أنه محق في ذلك وأنه رسول إليهم.

وقوله: { وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً }: قال بعضهم: العتو: هو الجرأة، وهو أشدّ من الاستكبار.

وقال بعضهم: العتو: هو الغلو في القول غلوا شديداً.

وقال بعضهم: هو من التكبر.

وقوله: { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً }: قال الحسن: حجرا محجورا: كلمة من كلام العرب؛ إذ كره أحدهم الشيء قال: حجراً حرام هذا، فإذا رأوا الملائكة كرهتهم، وقال: حجراً محجورا، فعلى هذا القول الكفرة هم يقولون: حجراً محجورا؛ إذا رأوا الملائكة وما معهم من المواعيد.

قال بعضهم: إن الملائكة يتلقون المؤمنين بالبشرى على أبواب الجنة، ويقولون للكفرة: لا بشرى لكم، ويقولون: حجراً محجورا، أي: تقول الملائكة: حرام البشرى للمجرمين، أو حرام عليهم الجنة أن يدخلوها، والحجر على هذا القول هو الحرام.

وقال بعضهم: الحجر هاهنا المنع والحظر، يقولون: إنهم يمنعون ويحظرون عما طمعوا وقصدوا بعبادتهم الملائكة والأصنام التي عبدوها، حيث قالوا:هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ }

السابقالتالي
2 3 4